بقلم أمل ابراهيم
كيف تتحول الخلافات الزوجية من معاناة إلى طاقة دافعة لحسن تربية الأولاد
نرى نفس الشكاوى الزوجية تتكررمن جيل إلى جيل وتتواجد هي نفسها في عدد كبير من الأسر في الجيل الواحد وليس في البلد الواحد فقط ، بل في العديد من البلدان العربية والاسلامية. هل هي مشاكل عابرة للأجيال؟ هل هي مشاكل عابرة للقارات؟ هل هي مشاكل تتوارثها الأجيال وقد بُذرت بذورها في نفوسهم منذ صغرهم؟
لو استمعت إلى شكاوى الزوجات فستجدها تقريباً واحدة، و اذا استمعت إلى شكاوى الأزواج فستجدها تقريباُ واحدة، حتى التعبيرات التي تستعمل لوصف تلك المشاكل ستجدها هي نفسها تقريباً. وبين تبادل الاتهامات بينهما وإحساس كل منهما بانه الطرف المظلوم تبقى المشاكل غالبا بدون حل إلا من التعود والتغاضي والرضى بالأمر الواقع، وهذا في احسن الاحوال. ثم لا تزال تتكرر من جيل إلى جيل.
و في رأيي أن أحد الأسباب الأساسية لهذا الأمر هو طريقة التربية التي نربي بها أبناءنا والتي يتوارثها كل جيل عن الآخر مهما كانت إعتراضاته عليها وقتما كان أبواه يربيانه بها.
فهل من سبيل لكسر هذا التسلسل من توارث نفس الخلل في العلاقة بين الزوجين و نفس العيوب في طريقة تعاملهما و نفس الأخطاء في نظرة كل منهما للأخر؟
الاجابة: نعم بلا شك
إذا تغيرت الطريقة التي نربي بها أبناءنا
وإذا تخلينا عن توارث طرق التربية التي ورثناها وطبقناها بدون أن نعرضها على مقاييس الشرع وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم
وإذا أخذنا من هذه الأساليب المتوارثة الحسن الجميل الصالح وتركنا ما كان منها خاطئاً وكان يزعجنا أو يجرحنا أو يكسرنا و نحن صغار.
وإذا إجتهدنا في دراسة الأخطاء التربوية التي نتوارثها جيلاً بعد جيل ثم حاولنا تلافيها واستبدالها بطرق صحيحة وفعالة ولو كانت تتطلب منا المزيد من المجهود والصبر.
لو إجتهدنا جميعا في دراسة فن تربية الأولاد وأتعبنا انفسنا لنتعلمه ثم طبقنا ما تعلمناه على أسس من الدين والأخلاق و أنتقينا من العلوم والأبحاث المتخصصة في هذا الموضوع ما لا يتعارض مع ديننا و أخلاقنا ، فنرجوا أن ينشأ لدينا جيل جديد من الرجال والنساء يتمتع بما نفتقده في أجيالنا الحالية من حسن الخلق و حسن العشرة و الإتزان النفسي و ابتغاء ثواب الآخرة في كل سلوكياتنا و علاقاتنا.
فقد لا نستطيع تغيير جيلنا ولكن يمكننا بعون الله تعالى تغيير الجيل القادم.
لا أقول أن نقلل من شأن آبائنا ومن ربونا بل نحتفظ لهم بكل التقدير و الامتنان لما أدوه تجاهنا و نعرف أنهم بذلوا أفضل ماعندهم حسب ماتوفر لديهم من معلومات و وسائل كي ينجحوا في مهمتهم معنا وحاولوا قدر استطاعتهم أن يجعلونا أفضل منهم.
ولكننا في ذات الوقت نمضي لنحسن من طريقة تعاملنا مع أزواجنا ونعدل من أساليب تربيتنا لأبنائنا حتى يكون الجيل القادم أفضل من جيلنا.
وما أجمل كلمات العلامة المودوي في كتابه الرائع الحجاب حيث يقول:(وبعبارة أخرى يُطلَب من كل مُرَبٍّ أن يربي ولده تربية أحسن من تربيته وينشئه على مستوى أعلى من مستواه. وناهيك بهذا الإيثار العظيم الذي يستنزل المرء حتى عن عاطفة حبه لذاته).
ثم يقول في موضع أخر من نفس الكتاب
(إنه من معجزات الدين حقاً أنه يحض الانسان بصنفيه على التضحية والبذل لأجل مصالح النوع والتمدن ويحول هذه الحيوان الأناني إلى إنسان ثم يحفزه على الايثار).
ويقول بعد ذلك بعدة فقرات:(انهما الأبوان الذان يحبان أن يجدا الأولاد في حالٍ أحسن من حالهما وعلى مكانة أرقى من مكانتهما، فيجتهدان من أنفسهما – بدون شعور أو ارادة – أن يجعلا الجيل اللاحق أحسن من السابق، ويمهدان بذلك سبيل الارتقاء الانساني. وهذا الجهد والسعي منهما لا تشوبه شائبة من الأثرة، فإنهما لا يريدان شيئاً لأنفسهما وإنما يريدان فلاح ولدهما ويعتبران نشأته انساناً ناجحاً جيد التربية جزاءً وافياً لمساعيهما وجهودهما. وأَنَّى يمكنك أن تجد في غير النظام العائلي أمثال هؤلاء العاملين المخلصين والخادمين الأوفياء الذين لا يكفيهم أن يعملوا لمصلحة النوع الإنساني بدون أجر، بل يبذلون لهذه الخدمة كل ما يملكون من الوقت والراحة والقوة والكفاءة وذات اليد، ويضحون بأنفس ما يملكون في سبيل الأمر الذي لا تَنال ثمرته إياهم، بل ينتفع به غيرهم).
فهل نسعى جميعاً لإنشاء جيل أفضل من جيلنا لعل الأمة تنهض على يديه و يكون هو جيل النصر الموعود بإذن الله؟