الحرية حق أصيل في حياة الإنسان عامة وفي حياة الطفل خاصة، إن نزعت منه تحول إلى دمية في أيدي الآخرين أو إلى عدو للمجتمع.. وتحرص التربية في إطار البيت المسلم على تحقيق الحرية في نفوس أطفالها، ليربوا قادة وصناع حياة. ورأينا كثيرا أثر منح الحرية لأطفالنا في اختياراتهم على سواء نفوسهم وسلوكهم.
ولكن يأتي دوما حد فاصل لكل شيء… هذه طبيعة الأشياء
لا شيء بلا حدود سوى ملك الله عز وجل
يجب أن نحضر أذهاننا لذلك ونحن نربي..
فهل أثناء تربية أولادنا ما قبل سن السابعة هل يجب أن تكون الحرية بلا حدود ؟.. بالطبع لا
⭕ لم لا ؟
أليست الحرية حق أصيل كما ذكرت ؟
◼ نعم هي حق أصيل..
ولكن حتى الحقوق الأصيلة يؤخذ منها بمقدار وإلا اختل ميزان الدنيا
هو حق ولكن لا نفرط في إتيانه..
لا إفراط ولا تفريط
⭕ إذن كيف يتفق هذا مع طفل صغير أقل من سبع، لا يعي ولا يفهم أنه يجب أن يأخذ حقه في الحرية بمقدار ؟
◼ نحن نعينه على هذا..
نستخدم دورنا الأساسي وحقنا الأصيل في التوجيه
⭕ كيف و بأي صورة دون أن ننتهك حريته ؟
◼ برعايته وحمايته جسدا وعقلا وقلبا حتى لو رغبته الطفولية اللحظية في موقف ما تعارض ذلك…
⭕ ولكن هذا لا يخالف ما أقول.. ما القصد هنا ؟!
◼ حسنا.. في أثناء تلك الرعاية والحماية ألا يجبر الطفل أحيانا إجبارا حازما لا معنفا علي فعل أشياء قد لا ترضيه وتناقض مفهوم الحرية؟
نعم يجبر أحيانا على ما فيه صالحه..
ولا نخاف من المصطلح فنحن أولياء أمورهم وحملنا الله أمانتهم والأمانة ثقيلة..
ولن يستقيم الأمر لو حاولنا الإقناع في كل مرة.. فالإقناع يستلزم إدراكا والإدراك محدود.. وأحياناً نستنفد كل أدوات التربية الأخرى مع أولادنا في موقف ما ولا استجابة منهم في أمر عاجل ضروري أو أمر مهدد للسلامة..
وقتها نلجأ للحزم الحنون وأحيانا للحزم الصارم أليس كذلك…
هو جبر في النهاية لو جردنا الأسماء
وانتهى حد حرية الطفل في هذا الموقف علما من أهله بصالحه وعملا به
⭕ أين ينتهي حد حرية الوالدين في التربية ؟
◼ عند حدود الله التي أمر أن يعامل بها الوالد من هم تحت جناحه
“كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته”
لا انتهاك للطفل بأي شكل ولا تعد لحدود الله بمسمى حريتي في استخدام حقي الوالدي في الرعاية والتوجيه..
هذا حد الطفل….
وهذا حد الوالد….
“تلك حدود الله فلا تعتدوها”
⭕ حسنا إذن وماذا عن السن الأكبر.. السابعة وما بعدها ؟
◼سن السابعة سن انتقالية مهمة جدا يبدأ فيها تصاعد درجة الدأب في التدريب الوالدي على كل مظاهر الرعاية والحماية والتوجيه في حياة الطفل..
ويبدأ فيها في نفس الوقت تصاعد درجة إدراك الطفل لحريته وزيادة مطالبته بها..
⭕ إذن كيف التوفيق بين هذا وذاك ؟
◼كل يقف عند حده كما أمرنا الله..
الطفل حريته بدأت تزيد في الاختيارات التي تمس دنياه.. أصدقاؤه.. هواياته…. إلخ
وبدأت حريته تقل عند المواقف التي فيها شكل تدريبي هام لضمان سواء حياة الطفل و استقامتها..
مثل بدء تعلم الصلاة.
“هيا يا مسلم سأذهب للصلاة وأريدك معي”
فلنتأمل الجملة..
بدأ يقل فيها أسلوب المحايلة والملاعبة التي كانت واضحة في التعامل عند نفس الموقف فيما قبل السابعة
وبدأت تحمل الأمر المباشر الممزوج بالحب والإحاطة.
الجملة تحمل إيذانا ببدء تدريب فعلي على الصلاة فهي ستكون عمود في حياته كمسلم
ويجب استخدام الحق الوالدي هنا في التوجيه دون انتظار موافقة الطفل وأيضا دون إجبار معنف متسلط، ولكن بحثٍ كثير وتشجيع وصبر مملوء بالحب لا يتوقف بحال..
لأن وقت التدريب قد حان
وفي مثال مختلف عن الصلاة ودرجة ضرورتها..
عندما يذهب الطفل للصالة الرياضية كي يتدرب على رياضة ما، لا مجال لعدم إطاعة المدرب في التدريب..
يجب أن يستخدم المدرب حقه في (الإجبار الصوري) على بدء التدريب وتنفيذه..
وإلا فالمحصلة صفر وانتفى وجود ما ندرب عليه من الأساس
وفي نفس الوقت يستخدم الطفل حقه في الحرية..
في اختيار اللعبة من الأساس..
في اختيار المدرب ذاته وحق تغييره لو لم يشعر بالراحة معه..
حق التوقف عن اللعبة نهائيا (لأنها ليست ضرورة حياة) لو اكتفى منها أو شعر أنها تؤذيه
هذا حد حرية المدرب..
وهذا حد حرية الطفل..
وبالطبع غني عن الشرح أن حد الحرية نسبته مختلفة عند كل موقف وكل شخص..
فما يحق للوالد لا يحق للمدرب..
وما يحق للطفل الامتناع عنه مع المدرب يختلف عنه مع الوالد.
💠 هنا نرى أهمية الوقوف برشاقة على حد شعرة فاصلة…
ما بين الحرية والتفلت…
وما بين الالتزام والإلزام 💠
نعم هناك فرق كبير بين الالتزام والإلزام…
🔸الإلتزام..
هو اختيار.. أخذته بحريتي ووطنت نفسي بنفسي على أدائه والاستمرار عليه دون إجبار من أحد… فقط احتياج لمن يشرف على التزامي هذا ويساعدني عليه.. كوظيفة الوالد والمدرب هنا
🔸أما الإلزام..
فلا اختيار فيه… إجبار فعلي على ممارسات لم يكن لي دور فيها واتخذها غيري نيابة عني ووضعها عليّ غصبا كواجبات حياتية لم تكن من اختياري أبدا
(مثل مظاهر عديدة في الحياة نمارسها على أنها بديهيات وتفرض علينا فرضا وإلزاما منذ لحظة الحياة الأولى)
يدعي الكثير من الآباء والأمهات أنهم بالإجبار المعنف المتسلط يعلمون الطفل الالتزام والاستقامة وضبط النفس، ظنا منهم أنها إجراءات لابد منها لصالح الطفل..
والحقيقة أن الطفل لا يتعلم شيئا من هذا أبدا…
هذه أسطورة من الأساطير التي تربينا عليها..
الالتزام لا يمكن أن يأتي أبدا بالإلزام !
الإلتزام نابع من النفس..
والإلزام نابع من الغير..
الالتزام ضابطه نفسي..
والإلزام ضابطه غيري..
معنى جديد لم ننتبه له لسنوات..
ولكن الغفلة عنه أدت لتشوهات إدراكية وسلوكية عديدة في علاقة الوالدية والبنوة، وحتى على مستوى كثيرٍ من العلاقات الحياتية.
⭕إذن كيف أجعل شيء أنا أراه مهما لصالح ولدي بحقي الوالدي كراعٍ لأمانة الله في الأرض، وأحاول جعله التزاما في حياة ولدي وليس إلزاما ؟؟
◼بوسائل تربوية كثيرة تطبق تدرجا حسب مراحل عمره ووعيه..
🔸منذ لحظة الولادة و حتى السابعة:
القدوة والتدريب بالحب واللعب
وتلبية كافة احتياجاته النفسية والجسدية..
فالتزامنا نحن شخصيا بأمور ما تعلم الطفل لا شعوريا وبالمشاهدة المستمرة أول بذرة في معنى الالتزام الذي يرى بنفسه رعاته يطبقونه.
🔸 من السابعة:
القدوة والتدريب المباشر المحب
ويزيد عليها التشجيع والتحفيز على العمل بالدفع الحثيث طيب الكلمات..
“هيا حبيبي اشتقت لقراءة القرآن معك نحتاج أن نذكر الله”
🔸من سن التكليف:
يفتح السجل ويبدأ الحساب من الله..
ودورنا متابعة تنفيذ الالتزام الذي على الناشيء وإعانته لو واجه مشكلة فيه
وإظهار الفرح لو التزم بنفسه
وإظهار الحزن لو تقاعص عن أدائه
والدعاء له أمامه بالإعانة من الله
وتعليمه الذكر الذي يعينه
ونحثه بحب على السمع لوالديه في نصائحهم لصالحه
في هذا السن يكون من المفترض أنه تعلم معنى الإلتزام بقدر..
الحرية المنضبطة من داخله وليس من أحد..
الحرية المحددة بقوانين وأطر وحدود واضحة داخل نفسه..
يقود نفسه بنفسه لصالحه..
يدفعها أماما بذاته..
لا بقوة خارجية هي التي قسرا تدفعه..
يتبع..