بقلم أمل ابراهيم
نكمل هنا ما بدأناه في المقال السابق ” كيف نكون رفقاء مع أبنائنا“، فنقدم للأم وللأب هذه الخطوات العملية للتغلب على العصبية في التعامل مع الأطفال. ولكني أتوجه للأم بالكلام لأنها هي المنوط بها رعاية الطفل و العناية به وحضانته في سنين عمره الأولى أكثر من أي شخص آخر كما أنها هي التي تتعرض أكثر لهذه المواقف.
ودعونا نتساءل أولاُ لماذا تكون الأم عصبية وشديدة الانفعال عندما يخطئ طفلها وقد تبادر بعقوبته بطريقة وحشية لا تتناسب مع حبها وحنانها مما يجعلها تندم وتتألم على ما فعلت بعدما تهدأ ؟ ولماذا يفعل الأب الأمر نفسه ولكن بما يتناسب مع قوته وعنفوانه ثم قد يندم أيضاً بعدها مباشرة أوعندما يتقدم به العمر ويجد أن الأمر لم يكن فعلاً يستدعي كل هذا ؟ وهناك قصص مرعبة لآباء وأمهات آذوا أبناءهم وقت غضبهم و تسببوا لهم في عاهات… ثم بقوا نادمين على ذلك طوال حياتهم أو لفترات طويلة منها. والإيذاء قد يكون نفسياً كما قد يكون بدنياً والعاهات كذلك. تختلف الإجابة على هذا السؤال اختلافاُ كبيراً ولكن المحصلة النهائية أن هذا الأمر يحدث ويتكرر كثيراً ويترك على الطفل آثاره السلبية القصيرة المدى منها والبعيدة المدى على السواء. لذا لابد من بذل الجهد ومقاومة النفس للتخلي عن هذه العصبية البغيضة تجاه أحب الناس إلينا.
فرفقاً بأولادكم أيها الآباء.
الأطفال من سن سنة إلى خمس سنوات
ولنبدأ الحديث عن الأطفال من سن سنة إلى خمس سنوات وهو السن الذي يبدأون فيه الحركة و المشي وتقليد الكبار فيما يفعلونه وكذلك التعرف على العالم من حولهم واستكشافه، ذلك العالم المجهول والمثير بالنسبة لهم.
وهاهي الأم قد قامت بواجبها وهيئت البيت للطفل ورفعت كل ما يمكن أن يشكل خطراً عليه…. فهل ينتهي الأمر عند هذا الحد ولن يقوم الطفل بأعمال مزعجة بعد الان؟ بالطبع لا. ستظل هناك دوماً فرصة لمثل هذه الأعمال مادام الطفل يقوم برحلاته الاستكتشافية للتعرف على عالمه الجديد.
أمثلة لأخطاء تقع من الأطفال
وسأضرب هنا أمثلة لأخطاء شنيعة من وجهة نظر الأمهات وقد حدثت بالفعل:
1- دخل المطبخ وفتح زجاجة زيت وسكبها كلها على الارض وربما جلس يلعب فيه !
2- كسر بيصة أو أكثر في غرفة الصالون على السجادة أو أحد الكراسي !
3- دخلت الى الحمام وأمسكت بفرشاة تنظيف المرحاض ووضعتها داخله ثم أخذت تحركها داخله وتخرجها منه واتسخ الحمام الذي نظفتيه قبل دقائق !
4- أمسك بالمقص وقص الستارة الجديدة أو قص كرسي أو أكثر من كراسي غرفة الصالون الجديد!
ترى كيف تتصرفين الآن أيتها الأم؟
أولاً ركزي جيداً وفكري بعقلك ولا تندفعي :
- لا تنفعلي … لا تصرخي …. لا تستسلمي لمشاعر الغضب التي قد تنفجر في داخلك ….
- لا تدعي أي ضغوط نفسية تعانين منها تتحكم في رد فعلك تجاه فلذة كبدك وقرة عينك الصغير الذي مازال يكتشف الأشياء من حوله ولا يعي حقيقة ما فعل ولا الآثار المترتبة عليه. وتذكري أنك أنت تعرفين وتقدرين جيداً أبعاد الموقف، أما هو فلا يمكنه ذلك بعد .
- غيري بوصلة تفكيرك في الحال وتذكري أنه مازال يجوب أنحاء البيت ويجرب الأدوات التي يراها في أيدي الكبار و يحاول أن يقلدهم ويستخدمها مثلهم. هو يراها بعيونه البريئة ومازال يريد التعرف عليها بحواسه قبل عقله، لذلك يجب عليك أن تهدأي وتتعاملي أنت الأم الكبيرة بعقلك وليس بأعصابك.
- لا يكن همك الحزن على ما خربه ابنك من أثاث البيت، بل ليكن همك هو ألا تضري أنت طفلك بسبب غضبك و حزنك على أثاث بيتك أو على ضياع تعبك. فما فسد قد فسد وانتهى أمره ويمكن تعويضه أما طفلك فلم يصبه ضرر بعد فلا تفعلي ما يضره وقد يتسبب لك بالندم طوال حياتك.
- يجب أن تسيطري على مشاعرك حتى لا تقعي في خطأ أكبر من الذي وقع فيه طفلك.
- وخلال ذلك لابد أن تفكري أن المخطئ الرئيسي هو شخص اخر غير الطفل … شخص كبير لم ينتبه وترك للطفل مجالا لأن يصل لهذه الأدوات الخطيرة أو الأماكن االغير آمنة، وهذا الشخص الكبير لابد أن يقع اللوم عليه أولاُ قبل الطفل كما أنه لابد أن يتعلم من أخطائه ولا يكررها حتى لا يكرر الطفل أخطاءه أيضاً.
وقتها ستهدأ نفسك تجاه طفلك وستتعاملين معه بعقل وحكمة ورحمة تتناسب مع سنه ومع مكانته في قلبك.
ثانياً تصرفي تصرفات عاقلة مدروسة :
أولاُ: بمنتهى السرعة والهدوء يجب عليك أن تتدخلي لتبعدي طفلك عن أي خطر … وفي أثناء هذا وبهدوء أيضا ولكن بحزم قولي له: لأ … لأ …كده لأ ..كده غلط. هو هنا سيعرف أنه فعل شيئا خطأ .. سيعرف ذلك من نبرة صوتك الجادة الحازمة ومن كلمة (لا) التي تكررينها عليه.
بالطبع ستقومين بتنظيف المكان وتنظيف الطفل.
ثانياً: لابد أن يتعلم الطفل شيئاً جديداً من هذه الحادثة ومن كل حادثة مشابهه، وذلك بأن بأن تتكلمي معه أيضا بهدوء … وأكرر … بهدوء وبأسلوب يفهمه، مثلا: ( انت كده وسخت الأرض، ماما بس اللي تنظف الحمام انتي لسه صغيرة، البيض بيتكسر أول ما تمسكه ماينفعش تمسك البيضة عشان هاتتكسر وتوسخ الأرض وتوسخ ملابسك، المقص خطير ممكن يجرحك ويوجعك ماتمسكش المقص ). وهكذا
تكلمي معه على أنه كبير يفهم كل ما تقولين له وحاولي أن توصلي له معلومات كاملة ومبسطة عن خطورة مافعله ولماذا هو خطأ …ولا تزهقي من أسئلته المتكررة ولاتملي من الشرح له فأنت بذلك تقومين بواجبك تجاهه وتغرسين في نفسه برد فعلك هذا كيف يكون هادئا وليس عصبيا، وتكونين قدوة له في هذا الخلق.
ثالثاُ : بعد انتهاء ذلك الموقف عليك أن تكرري سؤاله عن تلك الحادثة بما يتناسب مع سنه .
فمثلاُ تقولين له : انت عملت ايه امبارح؟/ ( أو تقولي اسمه ان كان لا يفهم بعد أنت) أحمد عمل ايه في المطبخ؟ ريم عملت ايه في الحمام؟ سوف يرد عليك بأسلوبه و كلماته التي يحاول أن يكون منها جملة مفيدة. ثم تجرين معه حواراً حول ذلك الموضوع ، مثلاً:
الأم : ده كان غلط ولا صح؟ (وتنتظري إجابته وتصححيها له). الزيت وسخ الأرض وكمان وسخ ملابسك. الزيت للأكل وليس للعب. لو تريد تأكل قل لماما تجيب لك.
الأم : المقص خطير. المقص ايه …. (وهو يجيب : خطير) .المقص ممكن يجرحك ويوجعك ماتمسكش المقص “تكرار لما قلتيه من قبل”
الأم: انت قطعت الكرسي .. كده مش هانعرف نجلس عليه وما بيكون عندنا كرسي ولما جدو(كمثال لشخص محبوب له) يأتي إلينا مش هايعرف يجلس عليه .
رابعاً : ليكن حاضراً في ذهنك وأنت تتكلمين معه أنك من خلال شرحك له فأنت تعلميه قواعد الحكم على أمر ما أنه خطأ أو صواب فيتكون عنده هذا الحس من صغره فلا يكرر نفس النوع من الخطأ مرات ومرات ولكن بأشكال مختلفة. وهذا يحدث عندما نواجه الأطفال بالصراخ والغضب والضرب فقط ،فيتعلمون ان هذا الشيء غلط بدون ان يعرفوا لماذا وبدون ان يستخدموا عقولهم، وقد لا يتعلمون أنه خطأ بل يتعلمون أنه مؤذي لهم فقط … ولذلك قيل الضرب يجعل الطفل يتأقلم من دون أن يتعلم .
خامساً : كوني متيقنة أن التكرار مهم جدا، كرري نفس المعلومة ونفس الأسئلة وإجاباتها عشرات المرات بل مئات المرات حتي يستوعبها وتنطبع في ذهنه. وفي كل مرة ستجدين نفسك قد اكتسبت خبرة جديدة في تعاملك مع طفلك واكتسب هو خبرة جديدة في الحياة واكتسبتما أنتما الإثنين بعداُ جديدا في علاقتكما ارتباطاً وتفاهماً وحباً تقارباً.
سادساً : سوف تجدين نفسك سعيدة بهذه الصداقة الجديدة مع ابنك الصغير. ستجدين نفسك تهربين من مشاكل الكبار وعالم الكبار إلى عالم هذا الصغير الذي لايحمل لك في قلبه البرئ إلا الإحتياج والحب، وأنت فيه ملكة متوجة، فقربك بالنسبة له هو كل العالم. وسوف تستمتعين ببراءته وقلبه الصافي الذي لايعرف المكر ولاالخداع ولا إضمار الشر.
فإذا أحس معك بالأمان والانطلاق وحسن الصحبة فستتفجر ينابيع الخير في نفسه ويتفتح عقله للتفكير السليم والمنطقي وسيحاول جاهداً أن يكون دوماً محل اعجابك و حبك وتقديرك.
تعرفي على طفلك
طفلك ليس أنت وليس أبوه وليس أي شخص آخر ممن يبدو أنه شبيه بهم. إنه إنسان جديد وهو خليط من طباع وشخصيات مختلفة اجتمعت فيه بحكم عامل الوراثة ليكون هذا الشخص الجديد القادم لهذا العالم. لابد أن تخصصي بعض الوقت للتعرف عليه والتقرب إليه حتى تتمكني من التعامل معه بالطريقة المناسبة بدون أن تظلميه أو تقصري في حقه. فلا تتصوري أنه أنت بنفس عيوبك فتتعاملي معه على أن فيه هذه العيوب فتظلميه، ولا تتصوري أنه أنت بكل طيبتك وبرائتك وصراحتك فتتعاملي معه على أن فيه هذه الصفات فتقصري في نصحه وتوجيهه.
طفلك شخص ذو شخصية فريدة، والأم والأب مسؤولان عن تربيته وتهذيب نفسه وملئها بالأخلاق العالية والطباع الحميدة وتنقيتها من الأخلاق الدنيئة والطباع السيئة. فهو مثل النبات الصغير الذي يتعاهده المزارع بالماء والغذاء ويحميه من الرياح القوية التي يمكن أن تقتلعه، وكذلك يوفر له درجة الحرارة والرطوبة المناسبة لنموه وينزع من حوله النباتات الضارة التي تسرق غذاءه حتى يشتد عوده و يكبر قوياً مستقيماً جذره في الأرض وفرعه في السماء ثابتاُ على مبادئه وأخلاقه ضد كل من يريد اقتلاعه ومقاوماُ لمن يريد إيذاءه وناشراً الخير حوله و كافياً شره عمن يتعامل معه.
إنها مهمة عظيمة أيتها الأم ولا يمكنك القيام بها على الوجه الصحيح إذا كانت العصبية والاستعجال هي ما يحكم تعاملاتك مع أطفالك.
والحديث وان كان موجها إلى الأم لأنها هي التي تقضي معظم الوقت مع الأطفال في هذا السن، إلا أن الأب بالتأكيد معنيٌ بهذا الأمر لأنه لابد أن يشارك في عملية التربية من بدايتها حتى تكون ناجحة ومتوازنة.
أسعدنا الله وإياكم ببر أولادنا وحبهم لنا ….. ودمتم بخير