في شهر رمضان ثقل ميزانك وأغلق تلفازك
ساعات قليلة تفصلنا عن رمضان … شهر الصيام والقرآن … الشهر الذي يتعالى المسلمون فيه على الدنيا ومتطلبات النفس بأمر ربهم … فيتركون طعامهم وشرابهم وشهواتهم بالنهار فرضاً وآداء لركن من أركان الإسلام …. وبالليل يتركون نومهم ويحيون ليلهم بالصلاة والقرآن نفلاً وتقرباً لله تعالى . شهرٌ كان الصحابة يستعدون له استعداداً جاداً حقيقياً بالعمل على انهاء مشاغلهم قبله حتى يتفرغوا للقرآن في شهر رمضان … يتلونه …يتدبرونه …. ويعملون به … ويقيمون به الليل.
أما اليوم فرمضان لم يعد عند أكثر الناس مرتبط بالقرآن ولا بالصلاة ولا بالتقرب إلى الله.
صار شهر رمضان مرتبط بالطعام بكل أنواعه من الأطعمة الرئيسية والحلويات و التفنن فيها ومتابعة الجديد منها حتى تزخر مائدة الإفطِار بالعديد والعديد منها….
صار رمضان شهر التليفزيون والمسلسلات .. فمع آذان المغرب تبدأ كل القنوات ببث المسلسلات على اختلاف مواضيعها و حكاياتها حتى تناسب كل الأذواق وتجذب كل الأعمار.
صار شهر رمضان شهر الفوازير و المسابقات حتى لا يمل الناس من المسلسلات … مسابقات فنية و أخرى ثقافية وأخرى علمية وأخرى دينية … ليس المهم نوع المسابقة المهم أن كل طيف من أطياف الناس سيجد المسابقة التي تشده وتستهويه.
وبين نهار ضائع في الانشغال بأمر الطعام تفكيراً وتسوقاً وانفاقاً واعداداً وطهياً و ليل ضائع في مسلسلات ومسابقات ينتهي شهر رمضان و الناس لم تستفد منه في تلاوة وتدبر القرآن ولا في زيادة الإيمان. بل فيه تزيد الأجسام في الأوزان ويزيد فيه هجر القرآن.
لماذا اختلفنا عن الصحابة؟ لماذا تجاهلنا أوامر الله وأوامر نبيه صلى الله عليه وسلم ؟ ولماذا زهدنا في اغتنام رمضان في تجميع الحسنات و كأننا ضمنا الفوز بالجنة والأمن من عذاب النار؟
تتزاحم الإجابات على تلك الأسئلة ومن بينها تظهر إجابة تعلو على كل الإجابات: لقد غرتنا الدنيا ، لقد غرنا الشيطان الغرور وأنسانا الهدف من وجودنا في هذه الدنيا ، واختل عندنا المعيار والميزان فلم تعد الآخرة هي ما نعمل له و لم يعد الفوز بالجنة هو ما نريده و لم نعد نخاف من عذاب الله الذي توعد به من عصاه . بل الأدهى من ذلك أننا نسينا أن الشيطان موجود خلف كل فتنة تفتتنا عن ديننا و خلف كل ما يلهينا عن العمل لآخرتنا. ونسينا أن الشيطان هو من يحرك كل من يزين لنا الدنيا ويبعدنا عن الآخرة … نسينا أنه يكرهنا أشد الكراهية ويريدنا أن نكون معه في جهنم حيث لايغني هو شيئاً عمن دخل النار بسببه … بل يزيدهم حسرة على حسرتهم إذ يكون رد الشيطان عليهم : (وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
ولكن الفرصة لم تفلت منا بعد … فمازلنا في الدنيا ومازال باب التوبة مفتوحاً وهاهو رمضان قد أقبل يحمل في أيامه فرصة ذهبية لغفران الذنوب والتقرب من الله وزيادة الحسنات والعتق من نار جهنم. ويبشرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله:
(مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
و(مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)
و( إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ ، وَمَرَدَةُ الْجِنِّ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَيُنَادِي مُنَادٍ : يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ ، وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ ، وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ ، وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ ) .
فهيا بنا نستعد الاستعداد الصحيح لهذا الضيف الكريم الذي من الله علينا به كي نطهر قلوبنا ونزكي أنفسنا و نتدبر القرآن الكريم الذي هو بيان الله لنا ولنسارع إلى جنة عرضها السموات و الأرض.
هيا بنا نقطع على الشيطان الطريق في إغوائه لنا فنغلق التلفاز تماماً في شهر رمضان ، فمنه يدخل الشيطان إلى بيوتنا فيلهينا ويصدنا عن ذكر الله و ينسينا أننا في لجنة اختبار اسمها الدنيا وسوف تنتهي ولابد، وعندها سوف نخرج منها بشيئين فقط : الحسنات والسيئات. نعم فقط .. فهما العملتان اللتان بهما يثقل ميزاننا أو يخف في الآخرة. وقتها نكون أحوج ما نكون إلى حسنة واحدة نعملها تثقل كفة الحسنات أو إلى سيئة واحدة نتركها تخفف كفة السيئات. هذه الحسنة وتلك السيئة قد تكون أصغر مما تتصور… قد لا تتعدى حجم ولا وزن الذَّرة ولكننا سنكون أحوج ما نكون إليها في ذلك اليوم المهيب الرهيب … والله تعالى يقول: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه)
بارك الله لنا ولكم في رمضان وأعاننا على حسن صيامه وقيامه وجعلنا من عتقائه من النار فيه.