الفتن وارتباطها بالفساد
قال الله تعالى: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (الروم 41)
عن عبدالله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: كنا قعوداً عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فذكر الفتن إلى أن قال ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمة فإذا قيل انقضت تمادت يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً حتى يصير الناس إلى فسطاطين فساط إيمان لا نفاق فيه، وفسطاط نفاق لا إيمان فيه فإذا كان ذاكم فانتظروا الدجال من يومه أو غده.. رواه أحمد وأبو داود والحاكم.
لا شك أننا نعيش في أيامنا هذه فتناً متلاحقة كقطع الليل المظلم يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسى كافراً تصديقاً لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيْهَا مُؤْمِناً وَيُمْسِي كَافِراً. أَوْ يُمْسِي مُؤْمِناً وَيُصْبِحُ كَافِراً. يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا». رواه مسلم
والفتنة هي الاختبار والابتلاء الشديد للعباد ليميز الله الخبيث من الطيب
وهدف المؤمن في الفتنة هو الحفاظ على إيمانه و دينه والثبات على الحق ولو ضحى في سبيله بالغالي والنفيس ، فغاية وجودنا في هذه الدنيا هو الإيمان بالله وعبادته والثبات على ذلك حتى الموت
وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّىٰ يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ (الحجر 99)
وصف الفتنة الحالية
والفتنة التي نعيشها هي أن أمة الإسلام بعدت عن دينها ودب فيها الضعف ، فتغلب الأعداء عليها واستولوا على أرضها وثرواتها ومزقوها دويلات. ثم عينوا عليها حراس يحكمونها باسمهم وبأمرهم وفرقوا شعوبها إلى قوميات وغيروا أنظمة الحكم فيها وأزالوا شرائعها واستبدلوها بشرائع الغرب وانظمته السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والإعلامية. فلم يبق للأمة من دينها إلا الشعائر ، وها هم الآن يحاولون إزالة تلك الشعائر نفسها ، مصداقاً لحديث النبي ﷺ أنه قال: “لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، وأولهن نقضا الحكم، وآخرهن الصلاة”. أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والطبراني في المعجم الكبير، وابن حبان في صحيحه بإسناد جيد ..
آخر عرى الإسلام
فها هو عدونا وأعوانه بيننا يحاولون نقض أخر عرى الإسلام الصلاة بدعوى الحماية من وباء مفتعل لهذه الغاية ولغايات أخرى تتيح لبني إسرائيل وأعوانهم استكمال علوهم وحكم العالم ومنع ممارسة الإسلام أو ما تبقى منه مصداقاً لقوله تعالى: يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32)
ولكننا المقصودون بهذه الحرب التي يشنونها علينا: وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ وَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البقرة 217)
مساري الإفساد
يستغل النظام العالمي هذا الوباء ويعمل على مسارين
المسار الأول: عالمي بنزع الحريات جميعها وفرض القيود وتعويد الناس على الإذعان والخضوع عبر اتخاذ إجراءات ظاهرها حماية الناس وباطنها إفقارهم وإمراضهم – وربما تقليل عددهم- وتقسيمهم ونزع حريتهم وترويضهم للرضوخ للنظام العالمي والسجن الرقمي الذي ينصبونه حول الناس جميعاً ليحولوهم لعبيد لنظام عالمي جديد يتشكل أمام أعينا
والمسار الثاني: يخص الأمة الإسلامية بنقض آخر عرى الإسلام من الشعائر التعبدية من منع الصلوات وتغيير هيئتها وتقييدها وكذلك الحج والعمرة بل إن الأوامر الجديدة تحث على منع الصيام أثناء الدوام. فإذا نجحوا في هذه الخطوة ، بدأت محاكم التفتيش لتصفية المسلمين ودفعهم للتخلي عن عقيدتهم نفسها كما فعلوا مع مسلمي الأندلس
كيف نحمي ديننا وأنفسنا في تلك الحرب وننجو من تلك الفتنة
هناك عمل على المستوى الفردي وعلى المستوى الجماعي
والأصل أن الحل والنجاة في هذه الفتن يكون جماعياً ، فإن الله قد بعث هذه الأمة برسالة لإصلاح البشرية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو سبب خيرية هذه الأمة يقول تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ… (آل عمران 110)
وقد قامت هذه الأمة بإزالة إفساد بني إسرائيل الأول وهي التي ستزيله في هذه المرة أيضاً كما شرحنا في فيلمنا “شفرة سورة الإسراء” يقول تعالى: وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)
ولهذا وجب علينا كأمة الإسلام القيام والتصدي للمفسدين في الأرض بدءً من عملائهم في بلادنا وانتهاءً بتلك القوى الشيطانية التي تصول وتجول في العالم ولا رادع لها ، وهو ما سيحصل حتماً في النهاية فهذا ما قضاه الله وأخبرنا به بل وأخبر به بني إسرائيل كما في الآيات السابقات
إذا فالتحرك الجماعي هو الحل النهائي وهو قدر الله المحتوم وهو ما ستقوم به الأمة في النهاية
لكن ربما يمر زمانٌ قبل أن تنهض أمتنا من سباتها ، فأعداؤها يعملون ليل نهار وبكل ما أوتوا من قوة على ابقاؤها مخدرة لاهية مشتتة ومقسمة بل ولقد تلاعبوا بنا وأنشأوا داخلنا فرقاً منحرفة أشد الانحراف تعمل لصالح الأعداء من حيث تظن أنها تخدم دين الله.
فما الذي يتعين علينا فعله في هذا الزمان قبل نهوض الأمة؟
الهدف هو الحفاظ على ديننا ودين أبنائنا واعدادهم لحمل تلك الأمانة والعمل على نهضة الأمة عبر برنامج للنجاة والإعداد وقائدنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرشدنا إلى الحل للنجاة وقت الفتن.
روى أحمد في مسنده والترمذي والنسائي والدارمي في سننهم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والطبراني في الكبير، جميعًا بألفاظ متقاربة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيرُ الناس في الفتن رجلٌ آخذٌ بعِنان فرسِه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزلٌ في بادية يؤدي حق الله الذي عليه)، قال الحاكم: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة.
هذان المثالان لخير الناس في الفتن هما ما يجب أن نكون إما في الجهاد مع المجاهدين وإما الخروج من النظام والاعتزال في البادية. هذا هو النور الذي نستضيء به في هذا المنهج للإعداد….
التفاصيل في مقالات و أعمال لاحقة…..