تكلمنا سابقا عن مفاهيم الحرية والالتزام والإلزام في التعامل مع الطفل ونحن ننشئ ونربي
حسنا..
كيف يمكن أن نطبق هذا المبدأ (الحرية ➕ الالتزام ➖ الإلزام) على التعلم الأكاديمي والمنهجي ؟
◼التعلم من أهم العمليات الحياتية التي يجب أن يكفل فيها الحرية لتأتي بجدواها وتحقق تعلما
تَ-عَلُّم
أي اكتساب علم بنية وقصد وإرادة
تظهر في ال (ت) قبل الفعل
🔸وهناك -توافقا-
نفس التاء في إل(ت)زام
وهذا يشير أيضاً إلى النية والإرادة فيها … في إلزام النفس لذاتها بعمل الفعل.
وهذا مالا يوجد في صوت كلمة إلزام..
حيث غاب دور الذات فيها وجاء الإلزام من خارجها، فغابت التاء القاصدة..
هذه التاء في العربية عندما تندرج بفعلٍ، تحوله فورا إلى نية وإرادة وقصد لهذا الفعل.
نتذكر الآية الجليلة
“لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت”
“اكتسبت”.. التاء مرة أخرى..🔸
ومع ذلك هناك أيضاً حدود وأطر لتلك الحرية التي نكفلها للمتعلم…
⭕ كيف ؟ كيف يتفق هذا وذاك ؟
◼ نعم يتفقان..
كما ذكرنا لا تعارض بين الحرية والالتزام،..
لأن الالتزام الحقيقي نابع من الاختيار داخل حدود حريتي..
الاختيار بحرية الذي تعلمه الناشيء، جاء من حدود الحرية الوالدية في الرعاية والتوجيه والتربية والحث على عمل الصالح له بما أمر الله.
⭕ بمعنى ؟
◼ بمعنى أنه في أمر يتعلمه مثل الصلاة عرفنا كيف نتصرف.
وفي كل أمر يخص بناء علم الدين (ضرورة الضرورات) في نفوس أولادنا يجب أن نهتم ونحث الطفل منذ صغره على تعلم تفاصيل دينه، حتى يستطيع أن يصل إلى درجة الالتزام في سن التكليف، فيقود نفسه نحو صالحها.
⭕ حسنا وبناء علم الدنيا ؟.. المدارس والمناهج والمواد المطلوب أن يدرسها الطلاب وحتى في التعليم اللامدرسي.. ما التصرف حيالها ؟
◼هذا أمر واسع وأبواب التطرق له كثيرة
فالنفع والضر من هذا العلم هو المعيار الذي يحدد أهميته في حياتي.
فإذا عَلِم الوالدين بالضرورة أن علما ما قد ينفع الطفل، وهو لازال في مرحلة عدم الوعي بأهمية هذا.. فيجب أن نحاول الدخول للطفل من مدخله، حتى يصل بنا الأمر لأن يحب هذا العلم، ثم يأخذ هو الدفة بعد ذلك ويقود.
علم مثل اللغة العربية.. حتما سيرى المربون الذين يريدون تنشئة أولادهم نشأة دينية راسخة أنه ضروري لكي يهضم طفلهما القرآن بعد ذلك، وأنه يربطه بدينه وهويته
فهما يريا ذلك لأنهما يبتغيان وجه الله، ولهما بالحق الوالدي أن يحثا الطفل عليه بالحب والقدوة والتشجيع والدعاء له بالقبول،
لكن لو أجبر الطفل على ذلك بالتعنيف والتسلط والامتهان، فهذا تعدٍ على الطفل مهما كانت أهمية ما يسعى الوالدين إليه، فحفظ الكرامة وتوفير الرعاية لمن هم تحت جناحنا من أولويات ديننا وهو من بناء نفوسهم الأساسي ويسبق حتما رفع أي أعمدة فوقها
أما إن تم حثه من والديه بحدود الحرية الوالدية التي وضعها الله لنا، فلا أظن الناشيء سيرفض إحاطة والديه ولا سيصد تشجيعهم واتباع وصيتهم في إتخاذ هذا العلم، ولا في ذهاب قلبه لدعائهم له بالقبول بما فيه خير له..
لا أظنه سيرفض أمام كل هذه الرعاية الطيبة المحبة من والديه، واجتهادهم له بالبحث عن مدخل تعلمه ونمط شخصيته ونوع ذكائه، وكل الوسائل التي سخرها الله الآن للوالدين لإعانة أولادهم على تلقي العلم بإحسان، والتي أصبحت بمعرفتها حجة عليهم حين لا يتخذونها معهم سبيلا. فوقتها حق للطفل عدم القبول وعدم القدرة على العمل بما يريده والداه، ولا نستغرب ولا نستنكر رفضه وعزوفه، مادام لا يرى من والديه وسعا حقيقيا لإعانته وإحاطته حبا وتفهما، وهو يحاول البدء في تعلم ما حثه الوالدان نفسهما على تعلمه…
فهو حقا إجحاف في حق الطفل أن نحيطه بوالديتنا ووصايتنا عند (الأمر) بالتعلم، ولا نحيطه بعدها بالحب عند (إنفاذ أمر) التعلم.
سيظل واجب الوالدين البحث عن مدخل لقلب وعقل الطفل في كل مراحل حياته وفي كل نواحيها لتعليمه الصالح له..
هذا حق الطفل في أهله.
وسيظل الطفل على الدرب.. يتدرب ويتعلم من والديه وجميع معلميه الذين يعاملونه بحدود الله،
وبمراعاة ما قدره الله عليه في دنياه من قدرة وسعة “لا يكلف الله نفسا إلا وسعها”
ويسمع لهم حتى يشب عن الطوق..
هذا حد الأهل في ولدهم.
ومثال اللغة العربية كان عن علم يبني في الدين وبالتالي فهو ضرورة
العلوم التي تبني في الدنيا
نأتي لعلم يبني في الدنيا، وإعمار الأرض من واجبات المسلم..
علوم.. رياضيات.. فنون.. لغات
وهي علوم ليست ضرورة في ذاتها..
أي ليس لزاما على الجميع أن يتعلمها جميعها، أو جميعهم يتلقونها بنفس المستوى..
بل هي صنوف علم تأتي بما يفتح الله به على عقل الإنسان وقلبه، وييسره ويسخره له بعد اجتهاده وسعيه قدر وسعه.. فإن لم ييسر له شيئا منها فلا مجال لإجبار أبدا أبدا..
لا داعي لأن يخسر الطفل سواء نفسه وقبوله لها من أجل علم ليس مهيئا له ولم يسخر الله عقله له..
ولا يجب أن نسير في دروب الدنيا هكذا متبعين الجموع في تلقين أولادنا علوما نحشوها دون تفكير في جدوى تحصيلها ونسخها من الكتب ومن أفواه المعلمين، ثم طباعتها في أدمغة الأطفال كما نزلت من المطبعة ..
إنما الدنيا هي دنيا الله والعلم من لدنه..
لو أراد الله تسخيرك لشيء فيها أو أن يعلمك شيئا لك دور في إعمار الأرض به،
فسيفتح الله عليك به بما لا تحتسب
لأنه من خلق عقلك وصوره، ويعلم ما يقدر عليه ومالا يقدر وهو اللطيف الخبير.
وسيُعَلّم بحكمته عقلك ما ينفعك وينفع دنياك وينفع كذلك آخرتك، ثمرة ما استخدمت فيه علم الله الذي تعلمت.
ولكن إن كان الأمر متعلق بشهادة،
يجب أخذها للمضي قدما في الدنيا،
اتباعا للأسباب ووصولا لعلم مُراد،
يوجد قبله في الطريق علوم غير مُرادة..
وقتها.. وبما أننا استوعبنا كل ما سبق..
الالتزام.
الإلزام.
الحرية.
حق الطفل وحد حريته.
الحق الوالدي وحدود حريته.
نستخدمهم..
نستعمل كل هذا في تحصيل تلك الشهادة..
ولا نجعل الشهادة غاية في ذاتها..
بل هي وسيلة لعبور الحواجز
يلزمنا فقط العبور..
لا يلزمنا عمل الحركات الأكروباتية، ولا جلب الدرجات الصاروخية للحصول عليها
بل نسعى نحن جهدنا لتحبيب الطفل في العمل الذي يحتاج لأن يكون ملتزما به لعبور الحاجز..
لا نجعله ملزما بالعبور وهو كاره..
إن ألزم عليه لن يستطيع عبور الحاجز.. وقد يسقط ويتعثر
أما إن شعر أنه ملتزم به.. بمعنى الالتزام النابع من حرية واختيار
وحتى وإن كان اختيارا لوالديه
قد تم وضعه في طريقه لصالحه
ولكنه بحبهم وإحاطتهم ((إختار)) أن يحمله معهم..
وقتها سيستطيع.. ويعبر الحواجز.. ربما قافزا..
فقط بإذن الله وعونه..
خلاصة القول..
هناك وقت يجب أن يأتي فيه التزام ومسئولية..
ولكن الالتزام في الأصل حرية…
#دعاء_ليث