انتشرت بين أطفالنا وفشت تلك الرسوم المتحركة التي تحمل فكرة البطل الخارق والتي لا تكاد تختفي من أمام أعينهم، وبحصار كامل حتى على ملابسهم وأقلامهم وكراسات تعلمهم !
تصطدم فكرة البطل الخارق مع ٣ مفاهيم كبرى مسبببة ارتباكا شديدا في أذهان الأطفال عنها و تفسد في قلوبهم سلامة بنائها
١ – مفهوم الألوهية :
تصطدم صورة البطل الخارق مع صورة الإله وتهدمها بل وتناطحها
فالبطل الخارق المقدم لأطفالنا يحمل شيئا من صفات الإله خاصة صفة القدرة وتسيير الكون واحداث المعجزات وإنزال العقوبات وإنجاد العباد من المصائب والأزمات
حتى أنه عند مشاهدة تلك الأفلام أصبح الأطفال بشكل لا واعي وقت حدوث معضلة في الفيلم أصبحوا يتوقعون فورا أن البطل الخارق سيلبي النداء.. فهو أصبح الحل والملجأ واتجاه الرجاء…
كما أن البطل كثيرا ما يشير بيده أو بإصبعه أو حتى يفكر بعقله
فتحدث الأمور والحوادث وكأنها كن فيكون
يظهر للإجابة من حيث لا نتوقع ولا نحتسب
يظهرونه وقتها وكأنه على علم مسبق
أو كأنه سمع بالأمر أو رآه من فوق السماوات
أو ربما أنه يعلم السر وأخفى
مشابها في كل هذا صفات الله الخالق العظيم أخزاهم الله وجلاه
كل هذا إخلال بمفهوم الألوهية عند الأطفال وشرك خفي يشاهدونه
يمس صفات القدرة و السمع والبصر والإحاطة والجبروت
فالله الواحد وحدانية لا شريك ولا شبيه له فيها
ليس كمثله شيء ولا يشاركه في ظواهر قدرته شيء وهو السميع البصير
تصطدم فكرة البطل الخارق مع مفهوم الألوهية ومفهوم البشرية ومفهوم البطولة
٢- مفهوم البشرية :
يصطدم مفهوم البطل الخارق مع صفة البشرية في الإنسان
البشرية تتسم بالضعف والاحتياج والافتقار لقوة أعلى تحيطها بالعناية والحماية وهي قوة وإحاطة الخالق عز وجل
في الصورة المقدمة بالرسوم المتحركة يظهر البطل الخارق
وكما شوه فيه مفهوم الإله شوه كذلك على المقابل مفهوم البشري
ظهر هذا الكيان وكأنه لا يحتاج لشيء تقريبا
قيوم على نفسه مالك لأمره لا ضعف فيه ولا افتقار
وإن ضعف في مرة يعود لكامل القوة إن استقوى وأراد
يظهر أن البشر قد يصلوا يوما لصفات الإله إن بحثوا في قوتهم الداخلية أو جاءتهم صدفة لولبية أو ربما عنكبوت شارد عضه أو ارتدى بذلة معدنية أو تم التلاعب بجيناته بالهندسة الوراثية أو صار متحولا بتأثير إشعاع الطاقة النووية
كلها إشارات وإسقاطات على أن البشر قد لا يحتاجوا يوما للإله
أو قد يصلوا هم أنفسهم لصفات الإله
وبالمناسبة كلها مفاهيم تدعوا لها خفية – بالتعاون مع الرسوم المتحركة- بعض تعاليم التنمية البشرية وعلوم الطاقة الخرافية والشاكرا وقانون الجذب والكارما
“ابحث عميقا في قوتك وطاقتك الكامنة
وقد تجلب لنفسك بنفسك كل الخير والقوة والمكانة”
ولا حاجة للإله بعد الآن فقد استغنيت وأصبحت أنت شبه إله
ولكن لا مهرب من الحقيقة
“وخلق الإنسان ضعيفا”
الإنسان ضعيف أشد الضعف مفتقر لربه محتاج في كل لحظة إليه
لا يمكن أن يتغير هذا يوما ولا يتبدل إلى يوم العرض عليه
سنة الله في كونه وهو الغني ونحن الفقراء إليه
وأكبر مضار صورة البطل الخارق على الأطفال فيما يخص مفهوم (البشرية) أنهم قد يكرهون بشريتهم بضعفها واحتياجها لرب خالق رازق وينظرون لتلك البشرية بعين الاحتقار مقارنة بهذا الخارق
ويتطلعون لما هو أعلى منها ولا يرضون بدورهم ومكانهم في الدنيا لأنه في رأيهم هناك ما هو أفضل وأزيد فوقها
رغم أن الإنسان على ضعفه خلق من ربه مكرما
٣- مفهوم البطولة :
تهدم فكرة البطل الخارق فكرة البطولة في ذاتها
البطولة هي عمل فدائي نابع من معتقدات وقيم الإنسان يقرره بنفسه ويقدم عليه بإرادته رغم علمه بضعف جسده وإمكانية تلفه
لكنه يقرر ذلك بمشيئة الله وإذنه
والبطولة ليست وظيفة أو مهنة يمتهنها الإنسان تتكرر يوميا ويظل على حالتها وظواهرها
بل هي لحظات من عمر الإنسان ليست كثيرة التكرار
بل الغالب على الإنسان هو روتينية حياته وبروز سمات الضعف بها
والبطولة لمحات نورانية منها بفضل المولى ومنته
والبطل إنسان عادي بكل سمات الإنسان العادية
وبكل الضعف فيه يقرر انطلاقا من مبادئه أن يفعل ما هو فوق ضعفه واعتياده في سبيل قيمة كبرى تحتاج تدخله
فيصبح وقتها بطلا
وسبحان الله مسمى البطل من الأساس وللعجب
مشتق من الجذر ( ب ط ل )
أي أنه إنسان قدرته وقوته غير ثابتة و (( باطلة ))
(أي متوقفة متبطلة معطلة)
لا يعتمد عليها وليس لها ثبات وبقاء وحقيقة
لأن الثابت والحقيقي في القدرة والقوة هو للإله القوي المتعال
وغيره زائل باطل.. ولذلك سمي (بطل)
والبطل هو الشجاع من الناس الذي يعرض نفسه للمتالف
أي أنه قد يتأذى من وراء بطولته وقد لا يعود جسده لسائر عهده
وعلى العكس منها صورة البطل الخارق قوته لا تبلى تقريبا أو يمكن تجددها وإعادتها أو ربما تطويرها أيضا
وهذا الذي نراه على الشاشات لا بطولة فيه لأنه لم يصبح (بطلا) في تلك الأفلام إلا لقوة خارقة دخيلة عليه
وليست حتى قوة في حدود القدرة البشرية الطبيعية التي لا تخرجنا من صفة الضعف الإنسانية
أكبر مضار صورة البطل الخارق على الأطفال هي إحساسهم بانتفاء البطولة عن الأبطال الحقيقيين في حياتنا وتاريخنا وديننا..فلا ينبهرون أبدا أو يتأثرون عندما نحكي لهم عن بطولات المسلمين..
وحكاية واحدة من حكايات الصحابة لفيها من البطولة ما يقيم شعر الرأس.. ولكن بسبب تشوه الرؤية عند الصغار برسوم الأبطال الخارقين لا ينظرون لهؤلاء الأبطال الحقيقيين إلا بملل شديد وفتور وانعدام روح.. لأنه بطل لا يطير كالريح ولا يخترق السماوات ولا يقصم الجبال ولا يوقف الأعاصير ولا يذيب السدود بأشعة عينيه ولا يدك الأرض بيده فيقلبها أثرا بعد عين
فعندما نأتي لنحكي لهم عن صحابتنا الكرام يسمع وفي خلفية عقله يقول..
” ما البطولة في هذا؟ لقد أمسك بعض النيران بيديه ! “
(عن البراء بن مالك رضي الله عنه)
هذا عادي ورأيته مرارا من بطلي المفضل في Fantastic Four …
هذا ليس بطلا !! أمي تحكي أشياء مملة وكل من تحكي عنهم أمي مملين!
سأعود لأشاهد بطلي المفضل الذي (يبهرني) دوما في التلفاز.. هذا هو البطل الحقيقي ! “
هذا الإبهار في تصوير البطل الخارق هو ما يتعلق به الأطفال لا شعوريا ويتعطشون لمشاهدته لأنهم كما قلنا يبحثون بداخلهم دوما عن قوة أعلى يتطلعون إليها لتأليهها..
والتأليه هو من الوله أي الحب الشديد والاتجاه بالقلب والعبادة
وقد غذت للأسف حواسهم وتطلعاتهم بالزيف والتلبيس تلك الصور الخارقة وأعطتهم التأليه الذين يبحثون عنه ودعمت ذلك بصورة ملموسة ومنظورة أيضاً
ولا حاجة بعد الآن للغيب في التأليه والاضطرار للإيمان بشيء قوي محيط قادر عليم سميع بصير ولكن يا للخسارة ! لا أراه !
أنا الآن متوله بهذا الذي أراه واتجهت بكل قلبي إليه
ولو دققنا النظر في حال أطفالنا ولمعة عيونهم عند رؤية أبطال الخوارق الذين تعلقوا بهم كل بهواه وما اختار من إله
لوجدتم هذا التوله في نظرتهم صدقا
خطورة إفساد مفهوم البطل الحقيقي
وإفساد مفهوم البطل الحقيقي -الذي هو شخص عادي ولكن شجاع- يفسد إحساس الطفل أنه يمكنه أن يصير كذلك يوما..
نعم يمكن لكل منا أن يكون بطلا في مكانه ومجاله وقدر وسعه وطاقته وبما فتح الله له ويسر عليه عمله
وهذا نوع من البذل والجهاد والسعي لله خالصا
ويحمد أن نحفز أطفالنا عليه إذا وجدنا منهم لذلك حبا وعزما
أما هذا الذي يعرض لا يمكن أن يكونوه أبدا
فيحبطون ويتصورون أنهم لا يمكن أن يكونوا أبطالا في الحقيقة
وإن أحبوا التصور فسيكون التصور المشوه المطروح أمامهم حيث لا يعرفون شكلا للبطولة غيره
فتنعدم البطولة بيننا إلا فيما ندر
لأنها في النفوس إما أجهضت وأحبطت.. وإما مسخت وشوهت
نهايةً..لا يكون الإنسان في حال خارقة للعادة إلا بإذن الله
وهذه لا تحدث إلا مع أنبياء الله المؤيدين منه ثم بعض أوليائه ثم من اختار أو خص ممن لا نعلم من عباده.
أي أن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بمشيئة الله وليس لشخص تصعّد صدفة أو رغبة لتلك المكانة
وإن منحها لا يمنحها إلا لمن يعلي كلمة الله وليس كما يشاهد في الشاشة لغرض أو عرض من الدنيا.
بالفعل قد (( يظهر )) إنسان بهذا بعون شيطان لساحر أو دجال، ويالمناسبة تلك النعوت لما يحدث على الشاشة ..
تلك نعوت والله قد لخصت الطامة. وهذا يكمل سابقه ويزيده إبانة ويؤيد أن كل ما هو من دون الله ودون تأييده زائل باطل.
فبالله ما تصنيف البطل الخارق في هذا الذي يعرض ؟
إله أم نبي أم ولي لا نعلمه
أم مزيج من كل هذا ؟؟!!
اسألوا أطفالكم وحدثوهم عن رأيهم
لو عندهم أساس من سلامة المفاهيم
ما هذا الذي أمامكم ؟ وما وصفه ؟
وهل هذا يستقيم ؟!!