في المقال السابق تحدثنا عن الفتنة وتعريفها وتوصيف الفتنة التي نعيشها . وبدأنا بالحديث عما يجب فعله في هذا الزمان التي دخلت فيه أمتنا غيبوبة ولم تفق منها بعد …
فما الذي يتعين علينا فعله في هذا الزمان قبل نهوض الأمة؟
الهدف هو الحفاظ على ديننا ودين أبنائنا وإعدادهم لحمل تلك الأمانة والعمل على نهضة الأمة عبر برنامج للنجاة والإعداد وقائدنا في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم الذي أرشدنا إلى الحل للنجاة وقت الفتن.
روى أحمد في مسنده والترمذي والنسائي والدارمي في سننهم وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والطبراني في الكبير، جميعًا بألفاظ متقاربة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (خيرُ الناس في الفتن رجلٌ آخذٌ بعِنان فرسِه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزلٌ في بادية يؤدي حق الله الذي عليه)، قال الحاكم: على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي والألباني في الصحيحة.
هذان المثالان لخير الناس في الفتن هما ما يجب أن نكون ، إما في الجهاد مع المجاهدين ، وإما الخروج من النظام والاعتزال في البادية. هذا هو النور الذي نستضيء به في هذا المنهج للإعداد….
ولا شك أن الجماعة إذا صلحت كانت من أهم أسباب العصمة والثبات وقت الفتن. فالمطلوب منا هو التجمع والتعاون على البر والتقوى ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (المائدة 2)
ولهذا فإن العمل الجماعي مقدم على الاعتزال والحل الفردي (الذي لا يفضل إلا في الضرورة) ، فكيف يكون كل منهما!
العمل الجماعي
الجماعة هي تجمع من الأفراد ولهذا فإن العمل الجماعي يُبنى على الأفراد ، فالبداية هي التأهيل الفردي ثم يأتي تجمع الأفراد المؤهلين للتعاون على أمرهم في زمن الفتنة
التأهيل الفردي: ويشمل النقاط التالية:
تقوية الإيمان: إيماننا وديننا هو هدف أعدائنا ، ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا. فهدفنا الحفاظ عليه وحمايته بكل غالي ونفيس. وهو أيضاً درعنا الأهم في صد هذه الهجمة الشرسة. فعلينا تقوية إيماننا بمعرفة الله وصفاته وأفعاله وحكمته وقضاءه وقدره ، ثم التوبة والإنابة الصادقة إليه والإكثار من ذكره واستحضار معيته. وزيادة الإيمان بالطاعات الممكنة والبعد عن المعاصي والذنوب وهجرها فهي المهلكة والمستوجبة للعذاب. هذا هو مفتاح النجاة الأول في تلك الفتن. عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما ، فقال : ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح . وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك ، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك ، وما أَصابك لم يكن ليخطئك ، واعلم أَن النصر مع الصبر ، وأن الفرج مع الكرب ، وأن مع العسرِ يسرا ) .
فمن حفظ الله يحفظه ومن عرفه في الرخاء عرفه الله في الشدة. أما المعاصي والذنوب فهي المهلكة وهي التي تستدعي عذاب الله والخذلان وقت الشدائد
وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم … (المائدة 18) فالذنوب هي سبب العذاب ، وهي التي تسبب الزلل والخذلان إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا (آل عمران 155)
الاستعداد النفسي وهو أن يتأهب المسلم لما هو قائم أو قادم من الفتن ويستعد نفسياً لمواجهتها وتقبل المصاعب والمشاق والتخلي عن عرض الدنيا والحرص على النجاة بدينه وإيمانه وبذل الغالي والنفيس في سبيل الحفاظ على دينه وعدم بيعه بأعراض الدنيا الرخيصة.
معرفة أحاديث وأخبار فتن آخر الزمان لأننا بدأنا فيها ومقبلين على الكثير من الأحداث التي يجب معرفتها والاستعداد لها والتأهب لمواجهتها وتربية أبنائنا على هذه المعرفة وذلك الاستعداد ، فهي فتن لا ينجو منها إلا من كان يعرفها مسبقاً وأعد نفسه لها وثبته الله ، ولهذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بها وحذرنا منها في الأحاديث ، حتى الأنبياء السابقون حذروا قومهم من أعظمها وهي فتنة المسيح الدجال. فالمعرفة والعلم سلاح مهم في مواجهة تلك الفتن
فهم الواقع والمخاطر التي تهدد المسلمين على كافة المستويات الإيمانية والمادية والجسدية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها بفهم مخططات الأعداء وماذا نفذوا منها وماذا ينفذون الآن وماذا يخططون للمستقبل
ثم تأتي مرحلة التحرك الجماعي فبعد تأهيل النفس يقوم المسلم بالتأثير في محيطه والتعاون مع أقرانه
نشر هذه الروح من الإيمان والاستعداد وهذا العلم بالواقع وبفتن آخر الزمان في محيط كل فرد منا في داخل أسرته أولاً ثم الأقرب فالأقرب من الأقارب والأصدقاء والجيران والمعارف والزملاء ويتوسع حسب ظروف كل فرد وإمكاناته.
الوصول إلى الأفراد الذين يرون نفس الرؤية ويحملون نفس الهم في هذا المحيط والتعاون معهم لتكوين نواة لخلية مجتمعية محلية يتعاون أفرادها مع بعضهم لتوفير الدعم النفسي والاحتياجات الحياتية وكل ما يساعد على استقلاليتهم الذاتية.
وكنا قد عرضنا تجربة لبعض الأمريكان ممن يرفضون فكرة تغول النظام العالمي ورقمنة كل شيء والسيطرة وتسجيل كافة الأنشطة البشرية وبناء هذا السجن الرقمي حول كل البشر ضمن ما يعرف بأجندة 21 للأمم المتحدة وضمن التغيير العالمي العظيم الذي يقوده المنتدى الاقتصادي العالمي.
هؤلاء الأمريكان قد طرحوا فكرة تكوين خلايا الحرية وهي خلايا مجتمعية من 8 أسر أو 8 أفراد في كل خلية ثم تكوين حلقة أوسع من 8 خلايا تسمى الكادر الأوسط أي يكون بها 64 شخصاً ، ثم تكوين كادر أكبر من ثمانية كوادر متوسطة أي 512 شخصاً (أو أسرة) . وعبر هذه الخلايا والكوادر يمكن توفير الاحتياجات المادية والتبادل التجاري والتعاون على تربية وتعليم الأبناء وغيرها من أوجه التعاون على البر والتقوى ، وهي فكرة جديرة بالبحث والتطبيق كوسيلة للخروج من النظام والتحرر من ضغطه ، والأمر متروك لكل شخص ولظروفه في منطقته لكن الفكرة جميلة ومطبقة بالفعل وقابلة للتكرار لمن كان يناسبه ذلك.
الانتقال أو الهجرة: إذا كانت الظروف الحياتية أو المضايقات الحكومية صعبة في المكان الذي تعيش فيه ، فيجب التفكير في الانتقال لمكان آخر أقل تضييقاً إما داخل الدولة أو حتى الهجرة لدولة أخرى تكون فيها الظروف أفضل. وبصفة عامة فإن القرى أكثر حرية وانطلاقاً من المدن وبالإمكان توفير استقلالية أكبر بالاعتماد على الذات والوسط المحيط بشكل أفضل من المدن. وبالطبع الأمر يعود للشخص نفسه وتقديره لظروفه وإمكاناته.
توفير مصادر رزق مستقلة وعدم الاعتماد على الوظائف العامة لدى الدولة أو الشركات الكبيرة لأن الحكومات و أصحاب الشركات يفرضون إرادتهم على موظفيهم بشكل يتعدى في أحيان كثيرة على الحريات الشخصية ، وبصفة عامة كلما كانت الشركة كبيرة كلما كانت الأمور أصعب. وقد توفر التجمعات البديلة فرصة لزراعة ما تحتاجه تلك التجمعات من غذاء والتبادل التجاري للسلع الضرورية والخدمات التي توفر استقلالية لأعضاء تلك التجمعات.
كان هذا تصوراً مختصراً سريعاً لما يمكن أن نقوم به كأفراد وجماعات في وقت الفتن أو الكوارث لدعم بعضنا البعض والتعاون على البر والتقوى وتوفير الحاجيات والخدمات الحياتية الأساسية والخروج عن النظام والسيستم وتقليل الاعتماد عليه، مما يوفر مساحة أكبر من الحرية والاستقلالية ، الأمر الذي قد يكون مهماً جداً للنجاة من فتن تفرضها الأنظمة الحاكمة عالمياً أو محلياً . وللأمر تفاصيل وللحديث بقية إن شاء الله.