مأساة زلزال تركيا
جاءت فاجعة زلزال تركيا وسوريا وما سببه الزلزال المدمر من دمار واسع وأعداد كبيرة من القتلى والمصابين والمشردين والمفجوعين ، جاءت تلك الفاجعة لتحرك الكثير من العواطف والأحزان بالإضافة إلى التذكرة والعبرة والترقب.
أولي تلك العواطف هي تعاطفنا الشديد مع المفجوعين وحزننا وأسفنا على القتلى ودعواتنا لهم بالرحمة والمغفرة ولزويهم بالصبر والسلوان ومواساتنها لهم وقلوبنا مع المصابين ودعواتنا لهم بالشفاء والتعافي العاجل.
ولكن مما يهدئ النفس رغم المصاب الكبير ، أن الله قد رحم من مات هذه الميتة (وهو على الإيمان) لأن الأحاديث قد وردت أن من مات هذه الميتة من المؤمنين فهو شهيد ، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الشهداء خمسة: المطعون، والمبطون، والغريق، وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله).
ومن العواطف أيضاً الخوف على أنفسنا وأهلينا وأقربائنا وأحبائنا أن يصيبهم مثل هذه المصيبة المفجعة ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من مثلها ، فعن كعب بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بِكَ منَ التَّردِّي والهدم والغرق والحَريقِ، وأعوذُ بِكَ أن يتخبَّطَني الشَّيطانُ عندَ الموتِ، وأعوذُ بِكَ أن أموتَ في سبيلِكَ مُدبرًا، وأعوذُ بِكَ أن أموتَ لديغًا.
العبر والعظات
وبعد العواطف تأتي العبرة والتذكرة بأن الملك لله والأمر له وحده ، وأن الإنسان مهما علا وتجبر لا يملك من أمر نفسه شيئاً وأن الله هو المتصرف الأوحد بالكون وأن غيره لا يملك من الأمر شيئاً ، وأن أجل الإنسان إذا جاء لا يؤخر وأنه أقرب إليه من شراك نعله.
ومن التذكرة أيضاً أن الزلازل هي عتاب من الله لعبيده لبعدهم عن طريقه واقترافهم المعاصي ومجاهرتهم بها. فقد ورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه لما رجَفَت الأرضُ بالكُوفة قال: «أيها النَّاس: إن ربَّكم يستعتِبُكم فأعتِبُوه؛ (أي: فاقبَلُوا عتبَه)، وتوبوا إليه قبل أن لا يُبالِيَ في أي وادٍ هلكتُم».
وأن الزلازل تأتي من عصيان الناس لربهم ، فعندما زلزلت المدينة وقت عمر رضي الله عنه قام فخطبهم ووعظهم وقال : “لئن عادت لا أساكنكم فيها” أي لإن عادت الزلزلة فسأرحل عنكم ولا أسكن فيها معكم. وقد حدث زلزال فى احد المدن فى عهد عمر بن عبد العزيز فكتب إلى الأمصار أما بعد: “فإن هذا الرجف شيء يعاتب الله عز وجل به العباد, وقد كتبت إلى سائر الأمصار يخرجوا في يوم كذا وكذا في شهر كذا وكذا فمن كان عنده شيء فليتصدق به, فإن الله عز و جل قال: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)، وقولوا كما قال آدم: (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين)، وقولوا كما قال نوح: (وإلا تغفر لى وترحمني أكن من الخاسرين) ، وقولوا كما قال يونس: (لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين) “.
فالزلزال تذكرة لنا نحن الأحياء وعتاب وتهديد فعلينا التوبة والعودة إلى الله قبل أن يهلكنا فلا يبقى أحداً.
الزلازل وأحداث آخر الزمان
وأما الترقب فلأن آخر الزمان يذخر بكثرة الزلازل ، فكثرتها تدل على قرب الأحداث العظيمة والعلامات الكبرى التي يجب أن نستعد لها ونتأهب لملاقاتها ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه قال: لا تَقُومُ السّاعَةُ حتّى يُقْبَضَ العِلْمُ، وتَكْثُرَ الزَّلازِلُ، ويَتَقارَبَ الزَّمانُ، وتَظْهَرَ الفِتَنُ، ويَكْثُرَ الهَرْجُ – وهو القَتْلُ القَتْلُ – حتّى يَكْثُرَ فِيكُمُ المالُ فَيَفِيضَ. فكلما اقتربنا من الساعة كلما كثرت الزلازل فهي من علامات الساعة الصغرى وهو ما نلاحظه ، فقبل أسابيع قليلة كان هناك زلزال آخر أقل شدة في تركيا أيضا وكان مركزه إزمير واهتزت له اسطنبول ولكن الله سلم. وتأتي الأخبار بأنباء الزلازل من هنا وهناك وكثرت حتى أن هناك من عكف على رصد الزلازل في مختلف أنحاء العالم وأبلغنا بكثرتها بشكل ملحوظ في الأوقات الأخيرة.
الواجب علينا
ولهذا وجب علينا أن نجتهد في العبادة والدعاء وإصلاح النفس والأهل والأقربين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -باليد أولاً فإن لم نستطع فباللسان فإن لم نقدر فبالقلب وهذا أضعف الإيمان. ويجب علينا نشر الوعي بمهمتنا كأمة كلفها الله بإزالة الإفساد ، والعمل على إيقاظ أبناء الأمة جميعاً لأن تلك الملاحم والأحداث العظام تجري علينا نحن أمة الإسلام في آخر الزمان ولهذا فلا مفر لنا من النهوض والاستعداد لتلك الأحداث وإعداد الأبناء والتأهب العقدي والديني والنفسي والعملي ، والله المستعان.