بدون الدخول في تفاصيل الأحداث في تونس وبدون الانحياز لطرف على حساب طرف آخر ، وبعيداً عن تقييم ما حدث ، أهو انقلاب على النظام أم استخدام لحق دستوري لتصحيح مسار أم استغلال لثغرات في الدستور للوصول إلى حكم ديكتاتوري ، فنطرح هنا رؤيتنا التي تعالج قضية الديمقراطية وتورط ما يعرف بالإسلام السياسي فيها وعواقب ذلك على الأمة.
ونعلم أن انحرافات الإخوان المسلمين تتخذ عذراً وغطاءً لمحاربة الإسلام نفسه . ولسنا مع النهضة ولا الإخوان عموماً لكننا نخشى من تكرار ما يحدث في مصر وفي غيرها من الحرب على الإسلام تحت مظلة مكافحة الإخوان أو النهضة ، فهذه هي خطة النظام العالمي لإزاحة ما تبقى من الإسلام في نفوس الناس أو حياتهم عبر الثورات المضادة. ونرى أن كل هذه المشاكل قد قامت بسبب طبيعة هذا النظام السياسي الفاسد وتورط الإسلام السياسي به وقبوله بما يسمى اللعبة الديمقراطية.
الحكم كان دائماً للقوي وليس للشعب
والديمقراطية نفسها هي أحد أسوأ أنظمة الحكم في التاريخ وقد هجرها الفلاسفة أصحاب الفكرة نفسها لما لها من عيوب. ولأنها “الديمقراطية” قد أعيد إحياؤها في العصر الحديث (تحديداً في القرن الثامن عشر) بالتزامن مع الثورة الفرنسية لأهداف تتعلق بمصالح النخب الحاكمة. ونحن على يقين بأن الشعوب -سواء الغربية التي تظن كذباً أنها تحكم بالديمقراطية أو تلك الشعوب العربية التي تحلم بالوصول للحكم الديمقراطي على النمط الغربي ، فنحن على يقين أن كل تلك الشعوب ستدرك قريباً (بل وبدأت تدرك بالفعل) أن الديمقراطية نظام فاسد ولا يصلح للحكم ولم يعمل به في الحكم أبداً لأن السلطة كانت وما تزال وستظل في أيدي القَوِيّ .
استجلاب نظام حكم قديم لغاية حديثة
تم اختيار النظام الديمقراطي كواجهة للحكم بعد الثورة الفرنسية التي نظمتها وقامت بها المنظمات السرية – وعلى رأسها الماسونية والنورانيين – لإزاحة النظام الملكي والكنيسة من الحكم واستبدالهما بحكم العصابة السرية المرتبطة باليهود وبني إسرائيل. هذه الثورة مهدت لتبديل الأوضاع وصعود بني إسرائيل واتباعهم من خريجي المنظمات السرية إلى السلطة على قمة هرم الحكم في الدول الأوروبية ايذاناً ببدء عهد عالمي جديد يتولى فيه بنو إسرائيل رعاية قطعان الشعوب علانية.
وبعد تلك الثورة وما تلاها من ثورات مماثلة تبدل وضع اليهود وبني إسرائيل . فبعد أن كانوا مضطهدين رسمياً من الشعوب الأوروبية النصرانية أصبحوا الآن في قمة هرم الشعوب ، وتم صياغة قوانين تحميهم وتمكن لحكمهم مثل قوانين معاداة السامية، بل وأصبحوا في أغلب الأحيان فوق القانون. هذا الوضع ما كان ليتم إلا بتبديل النظام السياسي للحكم في البلاد واستجلاب نظام للحكم من التاريخ البائد وتصديره صورياً للحكم. ولهذا فقد اختاروا الديمقراطية ليظن المغفلون من الشعوب أن السلطة بأيديهم وأنهم يختارون ممثليهم وحكامهم ، بينما تبقى السلطة الحقيقية في يد من صنعوا هذا النظام وأزالوا نظام الحكم القديم.
نقد الديمقراطية
وفضلاً عن مخالفة الديمقراطية الجذرية لفكرة الإله والوحي والتشريع الرباني لأنها تعطي هذا الحق للشعب ، فتقبل أي نتاج للعملية وإن تصادم مع الشرع والوحي لأنهم في الديمقراطية لا يعترفون بسلطة فوق سلطة الشعب أصلاً. لكن حتى مع هذا فإن العملية الديمقراطية نفسها وآلياتها كلها معيبة. وهناك الكثير من الكتب والمؤلفات في العالم الغربي نفسه التي تنتقد ذلك النظام بشدة. فمن عيوبها أن رجل الشارع الجاهل الذي تخفى عليه كل أمور الدولة وسياساتها هو الذي يختار الحاكم (بدون علم) فهذا عيب أساسي في الديموقراطية لأنه يساوي بين أصوات العوام والعلماء ولما كانت الأغلبية من العوام فالنتيجة معروفة، فليس لهذا الرجل العامي إلا البروباجاندا أو الدعاية أو الرأي العام وهي كلها تصنع بالمال اليهودي وبالإعلام اليهودي. ومن عيوبها أن المرشحين يحتاجون إلى التمويل لعرض برامجهم ووجهات نظرهم وتوصيلها إلى رجل الشارع فإن هذا التمويل أيضاً يأتي عبر المال اليهودي. ثم إن صناعة هؤلاء النشطاء ودعمهم وبناء فكرهم يتم في الأغلب داخل مؤسسات أو كيانات سرية تم إنشاؤها لخدمة أهداف بني إسرائيل وتم ضخ الأفكار اليهودية والبني إسرائيلية والتوراتية المحرفة لصياغة المنظومة الفكرية لتلك المجتمعات السرية وعلى رأسها الماسونية والنورانيون ، فيخرج هؤلاء مدعومين بكل ما يحتاجون ولا يستطيع أحد منافستهم. ومن عيوبها أن الأحزاب المتنافسة يتم تمويلها وتمويل مرشحيها بنفس المال اليهودي أيضاً ويتم دفع أقرب المرشحين وأنفعهم لليهود للسلطة بتلك الطرق الخبيثة بدءاً من نشأة المرشح في الجمعيات السرية ومروراً بتمويله ودعم حملته وتلميعه في وسائل إعلامهم لكي ينتخبه العامة. ومن لا يدرك ذلك يمكنه النظر في انتخاب ماكرون الرئيس الفرنسي ، موظف بنك روتشيلد وكيف تم تصعيده ، وهو مثال حي من بين مئات أو آلاف الأمثلة.
الخلاصة أنه لم يحدث أبداً تطبيق حقيقي لما يسمى بالديمقراطية بل كانت دائماً واجهة زائفة يتحكم فيها أصحاب السلطة الفعلية من خلف الستار. ومن الجدير بالذكر أن مؤسسي أمريكا لم يختاروا الديمقراطية كنظام للحكم. فيخلو الدستور الأمريكي بكل تعديلاته وكذلك أعلان الحقوق التابع له من كلمة ديمقراطية.
انتقال الوباء إلى أمة الإسلام
والغريب أنهم نقلوا إلينا هذا الوباء واعتنقه من أبنائنا الكثيرون سواء بحسن نية أم بسوء نية. ورغم المخالفة الصريحة الواضحة لأسس الديمقراطية للعقيدة الإسلامية بمنح الشعب حق التشريع من دون الله فإن كثير ممن يقولون أنهم إسلاميون قد افتتن بها ويبني عليها الآمال في تحرير الشعوب وهو لا يدري أنها أكذوبة حتى في بلادها الغربية نفسها.
ونظراً للفشل المتكرر في تطبيق الديمقراطية في بلاد المسلمين فمن يعتقد في هذا النظام يتهم الشعوب بل والأحزاب السياسية بأننا لم ننضج بما فيه الكفاية ونسمو بما يسمح لنا بتطبيق هذا النظام ، لكن العيب هو في هذا النظام نفسه.
القبول بالديمقراطية أو الانقلاب عليها
وفضلاً عن ذلك فإن تلك القوى التي تدعي أنها ديمقراطية تقبل بالديمقراطية فقط عندما تعمل لصالح تلك القوى ، وتنقلب عليها عندما تعمل ضد مصالحهم. وهذا ما فعلوه المرة تلو الأخرى. والتجارب كثيرة في العالم العربي وأوضحها تجربة الجزائر في التسعينات وتجربة حماس في الأرض المحتلة وغزة وتجربة مصر في عهد مرسي والقائمة تطول.
تورط الإسلام السياسي في الديمقراطية وعواقبه
ورغم مخالفتنا العقدية لتلك القوى المسماة بالديمقراطية ، لكننا في نفس الوقت لسنا مع التيار المعروف بالإسلام السياسي أو تيار الإخوان المسلمين وقبوله باللعبة الديمقراطية وتورطه في نظام فاسد بالأصل. لأن القوى الدولية تعمل على توريط الإسلاميين في حكم بلاد لا يملكون تسييرها فهي مسيرة بما يعرف بالدولة العميقة وأنظمتها الفاسدة فيحدث أن يفشل أولئك الإسلاميين في مجال أو أكثر فيستخدم ذلك لمعاقبة المسلمين جميعاً بل ومحاربة الإسلام نفسه. ففي حقيقة الأمر أنهم يستخدمون هذا التيار لتشويه الإسلام الحقيقي. كما أن لهذا التيار بالفعل انحرافات عن الإسلام الحقيقي سواء بانتشار عقيدة الإرجاء أو بالممارسات التي هدفها إرضاء الغرب وتقديم التنازلات في ثوابت الدين فضلاً عن الوصولية والبراجماتية والتحالف مع النظم الطاغوتية التي ثارت عليها الشعوب وغيرها من الانحرافات الفكرية والعملية. اقرأ إن شئت تغريداتنا عن “أخطاء الإخوان في الثورة المصرية”.
المدخلية الجامية المخابراتية ودورهم
ومع انتقادنا لتيار الإخوان المسلمين لما له من انحرافات فإننا لا نقف في جانب تيار أشد خطورة وخبثاً وهو تيار المدخلية الجامية المخابراتية الذي نشأ في كنف حرب الخليج الثانية التي دخل فيها صدام الكويت. وكان القرار السياسي السعودي هو الاستعانة بالقوات الأمريكية والدولية وما أدى إليه من خلاف داخل صفوف العلماء وبروز علماء شرعنوا للسلطة السياسية ذلك المطلب وكونوا فريقاً هدفه رفع لواء الحكام تحت دعوى طاعة ولي الأمر واتهام كل من يعارض أولئك الحكام – المعينين من قبل المحتل – بالخوارج.
والغريب أن هذه الفلسفة في دعم “ولي الأمر المتغلب” أياً كان اتجاهه بل حتى ولو كان كافراً – كما صرح بذلك علانية بعض منظريهم- هذه الفلسفة يتم نقضها إذا تولى الإسلاميون الحكم. فهم مرجئة مع المرتدين والكفار الأصليين وخوارج مع الإسلاميين ، ولا يمكن أن يجتمع في شخص مذهبين هما طرفي نقيض إلا إذا كان منافقاً صريح النفاق. فلا يعقل أن تقبل بحكم الكافر والمرتد والمنافق والعاصي والفاجر والشاذ ثم تثور على من يصف نفسه بالإسلامي وإن كان عنده أخطاء أو حتى انحرافات لأنك قبلت بحكم الكافر الصريح والمرتد الموالي لأعداء الدين. فهذا التيار المدخلي الجامي المخابراتي الخادم للمحتل الكافر يُستخدم لهدم الإسلام نفسه بدعوى محاربة الإخوان المسلمين “المنحرفين”.
الديمقراطية و الأمة الإسلامية
وبالعودة إلى موضوع الديمقراطية ونظام الحكم ، فإن ما يحدث الآن وما حدث في الماضي يبرهن مرة تلو الأخرى على فساد ذلك النظام الديمقراطي للحكم ، وإنه وإن بدى للبعض – ولسنا منهم – أنه صالح للحكم أو أنه طبق بطريقة صحيحة في بعض البلدان ، فإنه لا يصلح لمجتمعاتنا المسلمة لأنه لا يستمد شرعيته من ديننا وثقافتنا وعاداتنا. بل إنه نظام يمكن تفصيله لخدمة طائفة معينة أو حزب معين أو مجموعة صغيرة على حساب المصالح الحقيقية للشعوب. فهو نظام حكم الأقلية المتغلبة وليس الأغلبية كما يبدو في ظاهره وكما يسوقونه للشعوب.
قَدَر الأمة الوحيد
ثم لماذا نبحث في أنظمة الحكم المختلفة وقد جاءنا الهدى من ربنا الذي اختار لنا أفضل الأنظمة وأرقاها وأنسبها لصالح دنيانا وأخرانا ؛ النظام الإسلامي كما طبقه النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون من بعده. قال تعالى في سورة الأنفال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ … (24). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: …فعليكم بسنتي وسنةِ الخلفاءِ المهديّين الراشدين تمسّكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذِ، وإياكم ومحدثاتِ الأمورِ فإنَّ كلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله. وقال الإمام مالك: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. فكل هذا يشير إلا أنه لا فلاح لنا ولا صلاح ولا استقرار إلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين ومنهجهم في الحكم وأن تلك الأنظمة المستوردة لا تصلح في حد ذاتها للحكم فضلاً عن أن تناسب مجتمعاتنا وتحل مكان نظامنا الصحيح الذي اختاره الله لنا بل وأوجبه علينا.
لكن المشكلة أن الأمة في حالة سكر وخدر شديد فقدت فيه بوصلتها بعد أن احتلها أعداؤها وأزالوا منهاجها الرباني ولم يستبدلوه حتى بمنهجهم هم ، بل عملوا على إبقائها متخلفة تائهة ضائعة تبتغي الهداية من الضآلين ، بينما تحت أيديها كنز الله ونوره وهدي نبيه وسيرة صحابته. فهل آن الأوان لنستيقظ أم سيظل يجري علينا ما جرى على بني إسرائيل: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ۚ بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ۚ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5).