موضوع للتشويش
هذا السؤال تم طرحه على وسائط التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة من قبل ما يعرف بالذباب الإلكتروني أو المندسين المعينين من قبل الحكومات العميلة بهدف التشويش على ما يتم كشفه من مؤامرات تتورط فيها تلك الحكومات لصالح نخبة تتحكم في العالم ، والذين هم جند الشيطان .. فلما بدأ الوعي ينتشر بين الشباب فكانت حيلة هؤلاء الملاعين هو اشغال الشباب بقضية هدفها نشر الجدل والفرقة والتشويش على موضوعات أهم .. فنشر الموضوع نفسه هو في حد ذاته مؤامرة على الشباب ، هذا اعتقادنا الجازم بخصوص الموضوع.
وقد سقط في الفخ كثيرون أغلبهم من الشباب البسطاء السذج المخلصون وكثير من الأغبياء البله والجهال ذوي الجهل المركب وما لبثوا يثيرون الجدل الذي لا ينتهي على النت (وهاهم قد نالوا منا) وتحقق هدف الخبثاء بإشغال الناس عن واقعهم وعما يخططون لهم من عالم أسود قبيح (استعرضنا معالمه في آخر أفلامنا “النظام العالمي الجديد .. ذروة الإفساد الثاني”. ولهذا فنحن نحذر المخلصين الذين يعرفوننا ويثقون بنا بأن ذلك الموضوع فخ ليس أكثر.
لكننا لا نمانع أن تتفكر في خلق السماوات والأرض وتجوب العالم وتبحث عن الحقيقة وتثبتها ، ليس عبر الجدل وضرب كلام علماء الشرع ببعضهم ، لكن بإثبات ذلك بالأدلة والبراهين العقلية والواقعية ، فالأمر لا يتعلق بحقيقة غيبية بحتة “نؤمن بها بدون نقاش” بل يتعلق كذلك بواقع يمكن مشاهدته واستكشافه وقياسه.
رأينا والأدلة عليه
أما عن رأينا في الموضوع (وقد بحثناه كغيره من المواضيع) نطرحه هنا ليس للجدل ولا للنقاش ولكن ننشره هداية للمخلصين من المتابعين أو ممن خُدع بدجل هؤلاء الأفاقين فنقول:
أولاً : الأدلة القرآنية إما قطعية الدلالة أو ظنية الدلالة ، وليس هناك في القرآن آية قطعية الدلالة على أن الأرض مسطحة ، ولو كانت هناك واحدة لكان كل مكذب بها كافر ، ولكفر بذلك الغالبية الغالبة من علماء الأمة مثل ابن تيمية وابن القيم وابن حزم والرازي والصوفي والبتاني والبيروني والشريف الإدريسي والذهبي وابن باز والشعراوي وكل من قال بكروية الأرض وهم الغالبية الساحقة من علماء الأمة ، فدعوى المسطحين أن القرآن يدل قطعاً على تسطيح الأرض يستدعي تكفير كل هؤلاء العلماء الفطاحل.. وهل هناك من خبل في أدمغة المسطحين أكبر من هذا؟؟ فهم يعتقدون أنهم اكتشفوا آية في القرآن مرت على كل علماء الأمة الفطاحل ، وأكتشفها هؤلاء المتخلفون عقلياً.
معنى لفظ الأرض في القرآن
ثانياً : الاستدلال بآية سورة الغاشية ” وإلى الأرض كيف سطحت” ليس دليل قطعي الدلالة لأنه يحتمل معاني مختلفة ولو كان قطعي الدلالة لما مر على كل علماء الأمة كما بينا . فالأرض تأتي بمعاني كثيرة في القرآن ، وقد شرحنا ذلك في فيلمنا شفرة سورة الإسراء لأن معنى كلمة “الأرض” كان محورياً في فهم دلالة آيات سورة الإسراء. فكلمة “الأرض” أتت في القرآن بمعنى كامل الأرض وبمعنى سطح الأرض وبمعنى بقعة في الأرض وبمعنى تربة الأرض وبمعنى “مصر” أي القطر المصري كما كان يسميه المصريون القدماء … وانظر إلى الآيات التي ذكر الله فيه الأرض مجردة وكيف تغير المعنى المقصود حسب السياق رغم أن لفظ “الأرض” لم يتغير وهذه بعض الأمثلة:
- قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ (البقرة 71) هل قصد هنا أن البقرة تثير الأرض كلها أم التراب في جزء منها؟
- فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابࣰا یَبۡحَثُ فِی ٱلۡأَرۡضِ (المائدة 31) هل المقصود هنا هو كامل الأرض؟
- أَن یُقَتَّلُوۤا۟ أَوۡ یُصَلَّبُوۤا۟ أَوۡ تُقَطَّعَ أَیۡدِیهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَـٰفٍ أَوۡ یُنفَوۡا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ (المائدة 33) هل المقصود أن ينفوا من كامل الإرض إلى المريخ مثلا؟
- وَكَذَ ٰلِكَ مَكَّنَّا لِیُوسُفَ فِی ٱلۡأَرۡضِ (يوسف 21) الأرض هنا بمعنى “مصر” كما كان يسميها أهلها “تا” بلغة المصريين القديمة بمعنى الأرض
- قَالَ ٱجۡعَلۡنِی عَلَىٰ خَزَاۤىِٕنِ ٱلۡأَرۡضِۖ (يوسف 55) هل قصد الأرض كلها وهل كان يملك الأرض كلها؟
- فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ یَأۡذَنَ لِیۤ أَبِیۤ أَوۡ یَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِیۖ (يوسف 80) لو كانت المقصود هنا هو كامل الأرض فهل يقصد أنه لن يبرح الأرض إلى المريخ مثلا؟
فكل هذه الأمثلة تدل على اختلاف معنى كلمة “الأرض” باختلاف السياق وعلى هذا فالاستدلال بأية سورة الغاشية على أنه دليل قطعي على تسطيح الأرض ليس صحيحاً والقائل به يرمي أكثر علماء الأمة بالغباء أو الكفر. وبالتالي فالمقصود هنا في الآية هو سطح الأرض الظاهر للإنسان في حدود نظره ، فهي مسطوحة الظاهر لنا ليعيش عليها الناس ويطمئن عليها الناس، فكونها كروية لا يمنع تسطيح ظاهرها لأن الشيء الكبير العظيم إذا سطح صار له ظهر واسع. فالحديث في الآية عن السطح وليس عن كامل الأرض.
ثالثاً: الغالبية الغالبة من علماء الأمة الإسلامية قالوا بتكوير الأرض وليس بتسطيحها لدرجة أن ابن حزم جعله إجماعاً لا يعتد بالرأي الشاذ لبعضهم فقال في الفِصَل: إن أحداً من أئمة المسلمين المستحقين لاسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض، ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة، بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها… انتهى. ولابن تيمية وابن القيم كلام مشابه يمكنك قراءته هنا.
ظواهر لا يفسرها التسطيح
رابعاً: لا يمكن إحصاء الأدلة العلمية والعملية على تكور الأرض وعلى حركتها ودورانها حول الشمس وميل محور الدوران وهذا بعضاً من الأدلة دون الدخول في التفاصيل :
- طريقة شروق وغروب الشمس بظهور أعلاها قبل أسفلها عند الشروق ثم اختفاء أسفلها عند الغروب قبل أعلاها ، وهذه وحدها تكفي في إثبات كروية الأرض ولا يمكن قبول “المنظور” في تفسيرها ، ولا يمكن أن تحدث بهذا الشكل أبداً إلا إذا كانت الأرض كروية.
- غياب أسفل السفن في البحار قبل أعلاها إذا أبحرت مبتعدة والعكس إذا أقبلت مقتربة
- تعاقب الليل والنهار
- اجتماع الليل والنهار على سطح الارض في نفس الوقت
- اختلاف طول الليل والنهار على نفس المكان باختلاف الفصول واختلاف طوله في نفس الوقت باختلاف المكان
- الفصول الأربعة وتعاقبها
- وجود فصل الشتاء وفصل الصيف في نفس الوقت على الأرض
- وجود الشمس بشكل متواصل في القطب الشمالي في شهور الصيف يونيو ويوليو وفي القطب الجنوبي في شهور ديسمبر ويناير وغيابها تماماً عن القطب المعاكس
- كسوف الشمس
- خسوف القمر
- ظل الأرض الدائري على القمر في الخسوف
- كما أننا نعرف أقطار الأرض جميعها ومساحة كل قطر ومساحة القارات ومساحات المحيطات والبحار وليس عند أصحاب نظرية التسطيح سوى التخيل بأنها ممتدة لا نهاية لها ولا يعرف أين حدودها ولم يحاولوا هم أن يثبتوا نظريتهم بالسياحة في الأرض واكتشافها وتحديد أبعادها ولا يملكون في ذلك أي علم وأي جهد من أي نوع إلا الجلوس خلف الكمبيوتر أو الهاتف والتشدق بما ليس لديهم فيه علم
- في القرن الثاني الهجري بحدود عام 800 ميلادي صنع علماء المسلمون نموذج للكرة الارضية للخليفة المأمون
- وفي القرن الثالث قاس العالم المسلم البيروني نصف قطر الكرة الارضية ومحيط الارض ويمكن تكرار تجربته الآن عن طريق علم حساب المثلثات باستخدام نقطة على جبل وأخرى في أسفله وثالثة على مسافة معلومة من التي بالأسفل.
فشل نظرية الأرض المسطحة لتفسير أبسط الظواهر
ولا يمكن لنظرية الأرض المسطحة تفسير أبسط الظواهر وهي اختفاء أسفل قرص الشمس عند الغروب قبل أعلاه
فإذا كان عندنا سبعة أشخاص مثلاً على ساحل البحر المتوسط
واحد في بورسعيد والثاني في الأسكندرية والثالث في بنغازي والرابع في طرابلس والخامس في تونس والسادس في الجزائر والسابع في طنجة ، وكلها مدن تطل على البحر المتوسط وتغرب الشمس في الصيف بميل جهة الشمال فتغرب في البحر المتوسط
فإن الأول سيرى قرص الشمس يبدأ في الغياب من أسفله بينما يراه الباقون في نفس اللحظة فوق مستوى سطح البحر (لأن الغروب يبدأ من الشرق أولاً) . فإذا كان هذا الذي في بورسعيد يراها بدأت تغيب وقد اختفى نصفها السفلي فإن الآخرون سيجزمون أنها مازالت فوق سطح البحر كاملة. ثم مع مرور الوقت تتكرر الظاهرة مع الثاني بينما يرى الخمسة الآخرون في الغرب منه قرص الشمس فوق مستوى سطح البحر وهكذا
ولا يمكن أن يحدث هذا إلا مع تكور الأرض .. ولا يمكن تفسير ذلك بالمنظور كما يدعي أصحاب نظرية التسطيح لأن المنظور يقول بأن الشيء يبتعد ويظل في الابتعاد حتى يتلاشى من جميع جوانبه وليس أن يختفي أسفله أولاً.
وهذه بعض أمثلة وغيرها كثير ولا يمكن تفسيرها بحال إذا كانت الأرض مسطحة بينما كلها مفسرة ومشروحة ومقبولة عقلاً وعلماً إذا كانت الأرض كروية. بل إن علماء الفلك يحسبون بدقة متناهية لسنوات قادمة الأوقات التي يحدث فيها الخسوف والكسوف والأماكن التي يمكنك رؤيتهما منها ولا يمكن ذلك لمن يصدق بنظرية الكنيسة بتسطيح الأرض.
دليل دامغ يمكنك التأكد منه بنفسك
خامساً: وهذا دليل مهم يمكن لأي أحد أن يتحقق منه بنفسه وبسهولة. إذا كان الشرق في جهة والغرب في الجهة الأخرى فهما طرفان متباعدان. فمدينة سيدني تقع في أقصى شرق الأرض بينما تقع مدينة سان فرانسيسكو في أقصى الغرب أما مدينة الدوحة فتقع في وسط الأرض بين المدينتين. والطائرة تطير من سيدني إلى الدوحة في 15 ساعة من الطيران المتواصل . والمسافة من الدوحة إلى سان فرانسيسكو في أقصى الغرب تقطعها الطائرة في أكثر من 15 ساعة ونصف متواصلة . فإذا أردت السفر من سيدني متجهاً غرباً إلى سان فرانسيسكو فإنك تحتاج إلى أكثر من 30 ساعة من الطيران المتواصل (مع توقف في الدوحة في قطر على الخطوط القطرية). لكن يمكنك أن تقطع المسافة في 13 ساعة ونصف فقط إذا ركبت رحلة الطائرة المباشرة التي تسافر من سيدني باتجاه الشرق لتصل إلى سان فرانسيسكو في أقصى الغرب (على متن خطوط يونايتد الأمريكية) وهذا يستحيل أن يحدث على السطح المستوي ولابد من تكور الأرض ليتحقق ذلك . وهذا الدليل وحده يكفي للبرهنة على كروية الأرض بدون أي دليل آخر ويمكن لأي شخص القيام به عبر التحقق من ذلك بنفسك بالسفر على هذه الرحلات أو من على مقعدك بمراجعة أي مواقع لحجز تذاكر السفر بالطائرة مثل skyscanner.com (اكشف أيام السبت والثلاثاء للرحلة القطرية)
أظن أن في هذا ما يكفي لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
لكننا نعتقد أن طالب الحق يكفيه دليل واحد ، و صاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل .
انشغل بما هو أهم
ونعود للتأكيد أن طرح هذا الموضوع بهذا الشكل في وسائل التواصل الاجتماعي وجعله قضية القضايا هو مؤامرة في حد ذاتها للتشويش واشغال الناس بما لا ينفعهم . فغاية الشخص منهم النقاش والجدال والانتصار للرأي دون أن يكون لذلك أي أثر على أي عمل يقوم به. فلا هم يصنعون الطائرات ولا الصواريخ ولا الأقمار الصناعية وليس لهم حاجة لعلم يساعدهم في ضبط مسار هذه المخترعات وتوجيهها ، فهم إما سذج جهال أو مندسون وليس بينهم عالم من علماء الطائرات أو الصواريخ أو الأقمار الصناعية أو حتى عالم فلك يرجع له في هذا التخصص.
فلا تأهبوا بهم ولا تضيعوا وقتكم في جدالهم وركزوا على واقعنا المزري الذي نعيش فيه وما يخططون لنا من مؤامرات حقيقية وكيف يغيرون ديننا ويمنعوننا من إقامة شعائرنا على الوجه الذي أُمرنا به. وكيف يزيدون الفقراء فقراً وكيف يتآمرون على صحتنا ومستقبل أبنائنا وكيف سنواجه كل هذه المؤامرات الحقيقية، فهذا أحق بوقتنا وتفكيرنا وجهدنا. والله المستعان.
مراجع يمكن العودة إليها في الموضوع:
- الإجماع على كروية الأرض ،موقع الإسلام سؤال وجواب
- الأدلة على كروية الأرض ، فتاوى الشبكة الإسلامية
كروية الأرض ، الشيخ ابن باز رحمه الله
الارض كروية من علماء الاسلام وقبل ناسا بقرون ، الباحثون المسلمون
الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الجزء الاول ، الباحثون المسلمون
- الأرض المسطحة ، دكتور بهاء الأمير
- المسلمون وإثبات كروية الأرض ، أ.د. راغب السرجاني
- علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض الجزء الأول ، دكتور عبد الرحيم الشريف
علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض الجزء الثاني ، دكتور عبد الرحيم الشريف
- كتاب الله لا ينفي دوران الأرض ، فتاوى الشبكة الإسلامية
ما قاله أعلام علماء المسلمين عن كروية الأرض و شكل الكون ، كنوز العلم والمعرفة
- إلى أنصار الأرض المسطحة ، د. بهاء الأمير
- موقع اسكاي اسكانر لحجز تذاكر الطائرات