ملفات ساخنة

الإعلان الدستوري السوري.. وجهة نظر إسلامية

ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (يونس 14)

لفهم وجهة النظر الإسلامية يجب معرفة هدف الدولة في الإسلام ، فهي “خلافة عن النبوة في حفظ الدين وسياسة الدنيا به” كما عرفها الفقهاء (الأحكام السلطانية ومقدمة ابن خلدون وغيرهما)
لكننا في عصرنا هذا وبعد اسقاط آخر دولة إسلامية جامعة للمسلمين عمل الاستعمار على تقسيم الأمة إلى دول قومية على النمط الغربي وحرص على ألا تكون دول مسلمة على الحقيقة فغير مرجعيتها وقوانينها وجعلها خليط من القوانين الإسلامية والغربية. هذا باختصار.

وهذه بعض الملاحظات على الإعلان الدستوري من وجهة النظر الإسلامية:
1. الدستور يؤسس لدولة حداثية على النمط المأخوذ به في الدولة القومية الحديثة خاصة في الغرب ويستعمل تعابيرها ، كمثال مبدأ “الفصل بين السلطات” الذي نشأ في الغرب لمواجهة السلطات المطلقة للملوك والكنيسة وحتى لا تجتمع السلطات في قبضة شخص واحد أو هيئة واحدة فتصبح أداة طغيان واستبداد

2. كل ما جاء في الإعلان الدستوري يسير على نفس السياق وهدفه “ضمان الحرية والكرامة للمواطن” كما جاء في المادة الثانية من الإعلان وليس “حفظ الدين وسياسة الدنيا به” كما هو الحال مع الدولة الإسلامية

3. أخطر ما في الإعلان الدستوري من وجهة النظر الشرعية هو النص على أن “الفقه الإسلامي هو المصدر الرئيس للتشريع” (كما جاء في المادة الثالثة البند الأول). وهذا النص هو حال جميع دولنا العربية تقريباً، وهو نص صريح على أن هناك مصادر أخرى للتشريع وإن كانت ليست رئيسية ، وهو الوضع الذي حرص المستعمر (سابقا) والنظام الدولي حالياً على فرضه على دولنا القومية التي اصطنعها

ولكن هذا في الشريعة غير مقبول ويعتبر شركاً لأن الإسلام دين كامل ولا يقبل أن يكون معه شريك في الحكم أو التشريع فبه ثوابت لا تتغير بتغير الزمان والمكان وبه متغيرات تتسع لتغير الحال فهو يراعي المصالح الزمانية والمكانية “المصالح المرسلة” ولا يحتاج معه إلى مصادر أخرى للتشريع. انظر تفسير ابن كثير للآية “أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون” (المائدة 50)

4. ينص الإعلان في مادته الثالثة أيضاً على “تحترم الدولة جميع الأديان السماوية” ومن المعروف أنه ليس هناك إلا دين سماوي واحد “الإسلام” ولكن كانت هناك شرائع مختلفة جاء بها الأنبياء لأقوامهم

5. تنص المادة 12 على الحقوق والحريات المنصوص عليها في المعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها الجمهورية السورية ، وهذا يعني الاعتراف بكل ما وقع عليه النظام السابق مثل اتفاقية سيداو واتفاقية حقوق الطفل وغيرها من المعاهدات المغرضة والتي هدفها تدمير الأسرة وتغيير البنية المجتمعية وتشجيع الانحلال وغيره. وكان يجب مراجعة مثل هذه المعاهدات الدولية قبل النص دستورياً على أنها نافذة لأن النظام القديم صدق عليها.

وبعيدا عن النظرة الإسلامية تبقى هناك نقطة:
في المادة التاسعة “ويحصر السلاح بيد الدولة” ، وهذه نقطة جدلية حيث أن دول مثل أمريكا تسمح بتسليح مواطنيها وتعتبره حق دستوري وكان المسلمون في الدولة الإسلامية مسلحون ، بل إن نزع السلاح من المواطنين قد سهل على الحكومات المستبدة الطغيان. ورغم أننا نرى أن تسليح الشعب هو أمر إيجابي إلا أنها تبقى نقطة جدلية.

هذه بعض الملاحظات السريعة على الإعلان الدستوري من وجهة نظر إسلامية ، ومنها نرى الوجهة التي تسير إليها الدولة السورية. هذا من الناحية النظرية البحتة غير أن التطبيق وما يحدث على الأرض كان دائماً هو الفيصل لأن الدساتير في كل دولنا العربية تنص على شيء بينما التطبيق والواقع شيء آخر.

ولا يفوتنا أن نذكر الإدارة السورية بقوله تعالى في سورة يونس: وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا ۙ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى