أصل المشكلة أن المسلمين (وبالتالي الإسلام الذي يعتقده مسلمو هذا الزمان) يتعرضون ويتعرض (إسلامهم) لهجمة شرسة هدفها إزالة ما تبقى من قوة للمسلمين تأتي من تمسكهم بالدين الحق
نسخة مشوهة من الإسلام
ولأن أعداء الدين والرسالة الخاتمة خاصة من اليهود والمشركين والمرتدين وعبدة الشيطان (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا) ولأن هؤلاء جميعاً لا يستطيعون تغيير الإسلام الذي أنزله الله على رسوله وضمنه كتابه وسنة نبيه المحفوظان من التحريف ( إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) .. فإن خطة أعداء الله والدين تتلخص في إبعاد المسلمين عن معرفة الدين الحق وتشويه الدين الذي يعتنقه هؤلاء المسلمون وجعلهم يتمسكون بدين مشوه منحرف مختلط ليس بنقاء الدين الحق بل هو خليط من الحق والباطل فأدخلوا في الدين (الذي يعتقده كثير من مسلمي هذا الزمان) ما ليس منه وأدمجوه وغيروا اسمه حتى يظن الناس أنه من الدين وهو ليس من الدين.
وساعدهم في ذلك عوامل كثيرة كان من أهمها ضعف (وإضعاف) التعليم داخل الأمة الإسلامية بكافة أشكاله سواء التعليم الديني أو تعليم العلوم الطبيعية أو حتى التفكير المنطقي والنقدي.
الجامية المدخلية كمثال
ومن ذلك الخلط في الدين والتشويش هو اللعب على بعض النصوص وإنزالها في غير محلها وتطبيقها على غير مناطها وما إلى ذلك .. وهذا ما نراه جلياً في استغلال الأحاديث الواردة في طاعة ولي الأمر وتنزيلها على عملائهم الذين نصبوهم على أقطار الأمة الإسلامية التي نحتوها من جسم الأمة ووضعوا على رأس كل قطر عميل ونظام يحكم المسلمين باسم الغرب ولصالح الغرب وبشروط الغرب وضد الإسلام وأهله ومصالح المسلمين. فأنزلوا تلك النصوص الآمرة بطاعة ولي الأمر المسلم المطبق لشرع الله الموالي للمسلمين المعادي للكفر والكافرين على هؤلاء العملاء الصرحاء. وبهذا قالت طائفة الجامية المدخلية ممن جمعوا المتناقضين “الإرجاء والخروج” وهما لا يجتمعان إلا في منافق. فتراهم لا يكفرون من لا يحكم بشرع الله ويوالي أعداء الله ويحارب الإسلام والمسلمين عياناً بياناً بالفعل والقول ويقولون نسمع ونطيع لولي الأمر أياً كان (حتى ولو كان كافراً كما قال بعضهم نصاً) ولكننا نراهم يستثنون من قاعدتهم هذه بعض القادة الذين لا يرضى عنهم الغرب مثل محمد مرسي في مصر وأردوغان في تركيا (وإن كنا لا نتفق معهما ولا نصحح كثير مما قاما به) ، وهذه والله ليست عقيدة المسلمين ولا حتى عقيدة المرجئة بل هي عين عقيدة الغرب الكافر من اعتقدها لحق بهم في حكمهم ، ولهذا يسميهم الكثيرون “منافقي العصر الحديث” وصدقوا في ذلك.
ولا ندافع عن مرسي ولا أردوغان فكلاهما له تجاوزات عقائدية خطيرة جداً سواء بالفعل أو القول كما صرحا هما غير مرة ولكنها يجتمعان في عدم رضى الغرب عنهما رضاه عن باقي حكام الأمة الإسلامية من العملاء الصرحاء.
دعم الصوفية
ومن الاختراقات أيضاً هو دعم أعداء الله للفرق الضالة أو المنحرفة داخل الأمة الإسلامية ومحاولة تصويرها على أنها هي الإسلام الحقيقي أو الإسلام المعتدل . وهناك مثال حي في عصرنا الحاضر مسجل بالصوت والصورة
طائفة الأرض المسطحة
ومن الأمثلة أيضاً على تلك الانحرافات ما نشأ داخل الأمة الإسلامية مؤخراً مما يمكن أن يطلق عليه “طائفة الأرض المسطحة” ، وإن كان الانحراف هنا من نوع آخر ناتج من تسطيح (ليس الأرض) لكن العقول والمنطق واستخدام الدين لإفراز تلك الطائفة.
ما حدث هو تلاعب بدين وعقول أصحاب هذه الطائفة ، فهم ضحية لهذا التلاعب والإرهاب الفكري المستند على التشويش الديني والخلط الذي تحدثت عنه أعلاه.
فأشاعوا أن القرآن والدين الإسلامي يقول بتسطيح الأرض وقالوا أن آيات القرآن تقول بهذا، وهذه أغلوطة مركبة. فالآيات القرآنية إما قطعية الدلالة (مثل آيات تحريم الخمر والزنا والسرقة أو إباحة تعدد الزوجات أو التي تخبرنا بأسماء الأنبياء وغيرها) أو ظنية الدلالة ، ولا يمكن الاستدلال والقطع بناءً على دليل ظني الدلالة لأنه إن وجد الاحتمال سقط الاستدلال بمعنى أنه إن كان للنص أكثر من احتمال للمعنى فلا يمكن الاستدلال بهذا النص على أحد هذه الاحتمالات . وقد شرحنا في مقالنا الأصلي أن استخدام القرآن لكلمة الأرض يختلف فمرة يكون المقصود كامل الأرض ومرة يكون المقصود سطحها ومرة يكون بقعة من الأرض ومرة يكون القطر المصرى وهكذا.
ولا يوجد في القرآن آية واحدة قطعية الدلالة على أن الأرض مسطحة ، ولو وجدت واحدة لما وسع أحد من المسلمين (فضلاً عن العلماء) مخالفتها ويكفر كفراً أكبر يخرج عن الملة من ينكر أو يعتقد خلاف ما جاءت به آية واحدة قطعية الدلالة.
تحويل الإسلام إلى عقيدة كهنوتية
فما حدث أن هؤلاء المتلاعبين بديننا قد قاموا بعملية إرهاب فكري ملخصها أن الدين يقول بأن الأرض مسطحة وأن هذه عقيدة يجب اعتقادها ولا يجوز مخالفتها وأن المخالف على خطر عظيم على دينه لأنه يخالف القرآن والدين ، وهذه كذبة ولا شك. وعليه يجب علينا أن نكذب أعيننا ونرمي عقولنا في القمامة ونعتقد عقيدة المسيحيين الذين يقولون بأن 1 + 1 + 1 = 1 وأن هذه عقيدة يجب اعتقادها حتى وإن خالفت العقل والمنطق. ولا شك أن محاولة تغيير الدين الإسلامي إلى نمط شبيه بالديانة المسيحية الكهنوتية تحدث على أصعدة كثيرة في الحكم واحتكار طائفة للعلم وغيرها وهذا واحد منها.
التسطيح لا يفسر الشروق والغروب
من مئات الظواهر التي تشهد ببطلان تلك العقيدة الكاذبة ، طلبت من بعضهم شرح ظاهرة واحدة تحدث كل يوم مرتين وتكذب هؤلاء المسطحون الذين اعتقدوا عقيدة النصارى وكذبوا عقولهم وعيونهم ، الظاهرة هي أننا نرى الشمس تشرق بظهور أعلاها (بحجم كبير دفعة واحدة) قبل أسفلها وغروبها باختفاء أسفلها قبل أعلاها وهي مازالت كبيرة ونورها ينير الدنيا. وبالطبع فإن تفسيرهم الوحيد هو محاولة تطبيق ما يعرف بحقيقة “المنظور” على هذه الظاهرة ، والمنظور يثبت كذبهم بما لا يدع مجالاً للشك.
المنظور دليل على التكوير وليس العكس
المنظور هو أن الأشياء عندما تبتعد عنا تتصاغر ويصغر حجمها في أعيننا تدريجياً من جميع جوانبها حتى تصير مثل النقطة الصغيرة جداً ثم تختفي عن نظرنا. ولو طبقنا المنظور على الشمس وبفرض أن الشمس تبتعد على سطح الأرض المستوي (كما يعتقدون باطلا) فإنه من المفترض أن تصغر الشمس باضطراد من جميع جوانبها ويقل ضوؤها بنفس النسبة حتى تصير مثل النجمة الباهتة في السماء المظلمة ثم تختفي وهذا ما لا يحدث بالقطع وما تكذبه أعيننا وترفضه عقولنا.
وقد نشأت في صباي في مدينة بورسعيد على ساحل البحر المتوسط وكان منزلنا لا يفصله عن الشاطئ إلا الشارع وكنت أذهب يومياً للشاطئ في الصيف وأشاهد الشمس تشرق من البحر (المستوي سطحه) ويبرز أعلاها وهو كبير منير بقوة قبل أسفلها ، وتغرب في البحر أيضا بنفس الطريقة كقرص كبير منير مضيء يختفي أسفله قبل أعلاه وتظل إضاءته تملأ المكان. ما نراه هنا ليس غياب جسم وابتعاده لدرجة أنه يصغر تدريجياً ويضعف ضوؤه إلى أن يصبح كنقطة صغيرة جداً ضعيف نورها مثل نجمة في السماء تخفت ويختفي تدريجياً جسمها ونورها معاً.
التدليس أو الجهل
ولأنهم يفتقدون المنطق وسقطوا ضحية الاعتقاد الأعمى -كما يفعل النصارى – باعتقاد ما لا يمكن تصديقه ، فقد حاولوا شرح المنظور بالتدليس فقالوا أننا في الأفق البعيد نرى انطباق السماء على سطح البحر (استخدمنا البحر هنا لأنه السطح الذي لا اعوجاج فيه) ، وبالتالي فإن سطح الأرض يبدو مرتفعاً وسطح السماء يبدو منخفضاً حتى يلتقيان في الأفق البعيد ، وهذا صحيح. ولكن تدليسهم هو أنهم يقولون أن سطح الأرض يرتفع مع البعد فيحجب أسفل الشمس ، وهذا كذب وتدليس لان الشمس في نظريتهم تبقى في الوسط بين السماء والأرض ، وإذا كان سطح الأرض يرتفع في المنظور فكذلك يرتفع الجزء السفلي من الشمس معه ولا يقوم سطح الأرض بتغطية الجزء الأسفل من الشمس أبداً ولا يقوم سطح السماء بتغطية الجزء الأعلى من الشمس بل تبقى الشمس بين السطحين حتى تختفي هي في الأفق قبل التقاء السطحين حسب المنظور .. وهذا ما لا يحدث في الحقيقة وتكذبه أعيننا وتشهد على تدليس هؤلاء وأنهم ضحية خدعة كبرى من أعداء الدين والأمة الإسلامية ولا شك.
وهناك تفسير وحيد لاختفاء أسفل قرص الشمس وقت الغروب وظهور أعلاه وقت الشروق هو أن الأرض الكروية وبدورانها (أو دوران الشمس حولها) تخفي قرص الشمس بجرمها بشكل تدريجي كما نراه .. والاحتمال الثاني أن الشمس تصل إلى حافة الأرض ثم تنزل وتختفي مردود عليه لأن الليل لا يعم على كل الأرض بل تكون هناك أجزاء بها النهار في الوقت الذي يكون فيه الليل في أجزاء أخرى.
الأدلة الأخرى كثيرة جداً
هذا كله في نقاش دليل واحد فقط فما بالك أن هناك العشرات أو ربما المئات من الأدلة منها كسوف الشمس وخسوف القمر وشكل الأرض الكروي على سطح القمر عند الخسوف (الجزئي) ووجود الشمس بشكل متواصل في القطب الشمالي في شهور الصيف يونيو ويوليو وفي القطب الجنوبي في شهور ديسمبر ويناير وغيابها تماماً عن القطب المعاكس وغيرها كثير.
الإرهاب الفكري
ثم يخيفون الناس بإطلاق عبارات الإرهاب الفكري الذي استخدمها أعداء الدين ضدهم:
– فيقولون أن كروية الأرض هي كذبة لوكالة ناسا ويتجاهلون تماماً أن المسلمين قد قالوا بكرويتها قبل نشأة ناسا بقرون طويلة وأن القول بتسطيح الأرض هو قول الكنيسة (ألم أقل لكم أنهم يحاولون تغيير ديننا ليكون كمثل دين الكنيسة).
– ويقولون أن القرآن يقول بتسطيح الأرض ويتجاهلون تماماً أن الغالبية الغالبة من فطاحل العلماء قالت بعكس ما يقولون بل ساق بعضهم (مثل ابن حزم) إجماع العلماء المعتبرين على كروية الأرض.
– ويقولون أن من العقيدة التصديق بتسطيح الأرض الذي جاء في القرآن ويتجاهلون تماماً أن هذا الأمر ليس من العقيدة ولا من فروعها ولم يأت ذكره أو الإشارة إليه في أي كتب العقيدة والإيمان.
– ويستدلون بآيات ذكر الله فيها الأرض ولا يعرفون معنى الأرض وكيف استخدمه القرآن بمعانٍ مختلفة فيأتي أحياناً بمعنى كامل الأرض وأحياناُ بمعنى سطحها وأحياناً بمعنى بقعة منها وأحياناً بمعنى القطر المصري (انظر مقالنا السابق الأرض كروية أم مسطحة).
– ولا يعرفون الفرق بين الدليل القطعي الدلالة ولا الدليل الظني الدلالة ويسوقون الدليل الظني الدلالة على أنه قطعي الدلالة ولا يفهمون أن من يخالف دليل قطعي الدلالة في القرآن يكفر فيتهمون علماء الأمة الثقات بالكفر بجهلهم
– بل إن بعضهم بالفعل اتهم ابن تيمية باتباع فلاسفة اليونان في القول بكروية الأرض ، وهكذا فهم يستخدمون للنيل من علماء الأمة الذين حفظ الله بهم دينه والتشكيك في علمهم ومصداقيتهم.
وهكذا فإن اختراق أعداء الدين لعقيدة وعقول أمة الإسلام وصل لدرجات لا نعرف كيف يكون معها الإصلاح . والله المستعان
الأمر ليس عقائدياً
ونحن نعلم أن هناك أيضاً علماء أكابر قالوا بتسطيح الأرض ، ولا مشاحة في ذلك إن لم يترتب علي هذا الظن تبديع أو تفسيق أو تكفير كما يفعل كثير من أعضاء تلك الطائفة ، فالموضوع ليس عقيدة فرعاً ولا أصلاً وقد وسع الاختلاف فيه سلفنا فلماذا تصر هذه الطائفة على عكس ذلك.
أقرأ مقالنا السابق: الأرض كروية أم مسطحة؟
لفهم الموضوع كلياً عليك قراءة المقالات والفتاوى التالية:
- الإجماع على كروية الأرض ،موقع الإسلام سؤال وجواب
- الأدلة على كروية الأرض ، فتاوى الشبكة الإسلامية
كروية الأرض ، الشيخ ابن باز رحمه الله
الارض كروية من علماء الاسلام وقبل ناسا بقرون ، الباحثون المسلمون
الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ الجزء الاول ، الباحثون المسلمون
- الأرض المسطحة ، دكتور بهاء الأمير
- المسلمون وإثبات كروية الأرض ، أ.د. راغب السرجاني
- علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض الجزء الأول ، دكتور عبد الرحيم الشريف
علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض الجزء الثاني ، دكتور عبد الرحيم الشريف
- كتاب الله لا ينفي دوران الأرض ، فتاوى الشبكة الإسلامية
ما قاله أعلام علماء المسلمين عن كروية الأرض و شكل الكون ، كنوز العلم والمعرفة
- هل ذكر الله أن حجم الأرض يماثل حجم السماوات؟ د. محمود عبد الله نجا
- إلى أنصار الأرض المسطحة ، د. بهاء الأمير