قال صلى الله عليه وسلم:( لا تَقومُ السَّاعةُ حتَّى يَخرُجَ ثَلاثون كذَّابًا، آخِرُهُمُ الأَعورُ الدَّجَّالُ… ولنْ يَكونَ ذلكَ كذلكَ حتَّى تَرَوْا أُمورًا يَتفاقَمُ شَأنُها في أَنفُسِكُم، وتَساءَلون بيْنكُم: هل كان نبيُّكُم ذَكَرَ لكُم مِنها ذِكْرًا) رواه أحمد والحاكم وقال: “هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
إذن فقد أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه سيحدث في العالم أموراً عظيمة الشأن لدرجة أن يتفاقم شأنها في نفوس المسلمين ثم لا يجدون ملجئاً ولا تفسيراً لها إلا عند من لا ينطق عن الهوي فيعودون إلى أنفسهم ويتساءلون فيما بينهم هل ذكرها لنا صلى الله عليه وسلم فنجد في كلامه ما يفسرها لنا ويدلنا على كيفية النجاة منها.
وهذا يدلنا على أن العالم وقتها سيكون في ضلال عميق قد التبست فيه الأمور بحيث يصعب على الإنسان الوصول إلى الحقيقة إلا بعد استفراغ الوسع في البحث عنها، مع امتلاك البصيرة لسبر أغوار ما يبث للناس من ضلالات وأوهام في وسائل إعلام ذلك الزمان.
كما يدلنا أيضاً على أن الهدى في ذلك الوقت هو في أحاديثه صلى الله عليه وسلم التي لا ينطقها إلا بوحي من الله تعالى. وسيكون نهاية هذا الأمر هو أعظم فتنة أخبرنا بها صلى الله عليه وسلم وهي فتنة الدجال.
ولعل تلك الأمور العظيمة المشتبهة التي تأتي قبل فتنة الدجال هي مقدمات لها تستدعي من المسلمين الثبات على الإيمان والتمسك بحبل الله المتين وشرعه المستقيم حتى لا يقعوا في الفتنة.
ولذلك فلابد من بذل الجهد والوقت للتعرف على ما ورد عن رسولنا صلى الله عليه وسلم من أحاديث في علامات الساعة وفتن آخر الزمان.
فالنجاة من المهالك تكون بالعلم بها والعلم بطرق تفاديها قبل وقوعها والعلم بكيفية النجاة منها إذا وقعت.
أما من يجهل هذه الأمور و يعرض عن معرفتها أو يستهين بأمرها فستلتبس عليه الأمور ولن يراها على حقيقتها لأنه لا يعلم عنها.
و قد أخبرنا بهذا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه فقال: (هذه فتن قد أظلت كجباه البقر يهلك فيها أكثر الناس إلا من كان يعرفها قبل ذلك) إسناده حسن موقوف
وقال أيضاً: ( ذُكِرَ الدَّجَّالُ عندَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقال: لَأنا لِفِتْنةِ بعضِكم أخوَفُ عندي مِن فِتْنةِ الدَّجَّالِ، ولنْ يَنجُوَ أحَدٌ ممَّا قَبلَها إلَّا نَجا منها، وما صُنِعَتْ فِتْنةٌ منذُ كانتِ الدُّنيا صَغيرةٌ ولا كبيرةٌ، إلَّا تَتَّضِعُ لِفِتْنةِ الدَّجَّالِ ) أورده شعيب الأرناؤوط في تخريج المسند وقال اسناده صحيح على شرط الشيخين
وهذا يدلنا على أننا لا يجب أن نستهين بأمر الفتن صغيرها وكبيرها بل لابد من التصدي لها وتجنب الوقوع فيها والسعي للنجاة منها بكل طريقة لأن هنا بشارة من رسولنا وشرط أيضاً بأنه من نجا مما قبل الدجال فسوف ينجو من فتنة الدجال بإذن الله.
علاقة الكورونا بالفتن
ولعل القارئ يتساءل ماعلاقة فتنة الدجال وما قبلها من الأمور العظام بالكورونا واللقاح وتلقيح البشرية كلها في سابقة لم يحدث لها مثيل .
ولكي تتضح الصورة دعونا نسأل أولاً من الذي أخذ القرار وأعطى الأمر لكل دول العالم كي تنفذ نفس الأوامر في نفس الوقت و بنفس الطريقة وبنفس الدعوى ألا وهي دعوى الحفاظ على صحة البشر كل البشر ووقايتهم من وباء الكورونا ؟؟
إنها منظمة الصحة العالمية … أليس كذلك؟
بل وصل الأمر بتلك المنظمة أن تتدخل في الشرائع والشعائر التعبدية للمسلمين.
ولن أتطرق هنا إلى الحالة الصحية المزرية التي كان ومازال يعاني منها غالبية سكان الأرض، ومنظمة الصحة العالمية لا ترى ولا تسمع حتى جاءت الكورونا فأفاقت فجأة من سباتها العميق،
لكنها غضت الطرف عن كل ما تعاني منه البشرية من أمراض و مشاكل صحية وغير صحية ما عدا الكورونا، والصورة خير دليل
نعم الكورونا موجودة وقد ماتت أعداد من الناس التي أصيبت بهذا المرض (مع التحفظ على أرقام الوفيات إذ أنه كل من مات في خلال 28 يوماً من تشخيصه ايجابيا لاختبار الكورونا يسجل أنه مات بها مهما كان يعاني من أمراض أخرى خطيرة).
ولكن هل ما نراه بأعيننا ونسمعه بآذننا من إصابات ووفيات يرقى لأن يكون وباءً أو طاعوناً؟
لنلقي نظرة في كتب علمائنا ومؤرخينا المسلمين الثقات عن أخبار الطاعون الذي أصاب بلاد المسلمين فيما مضى ونقارنه بكوفيد،
ومثال على ذلك الطاعون الكبير الذي ضرب مصر في القرن التاسع الهجري (الرابع عشر الميلادي) . وهو نفس الطاعون الذي ضرب أوروبا وعرف بالطاعون الأسود والذي ذهب بما بين ثلث إلى نصف عدد سكان أوروبا كلها.
الطاعون الكبير
وممن عاش هذه المأساة وأرخ لها “المقريزي” في كتابه “السلوك لمعرفة دول الملوك” حيث وصف حال الناس فقال:
“ومن كثرة الشُّغل بالمرضى والأموات، تعطّلت الأسواق من البيع والشراء، وتزايد ازدحام الناس في طلب الأكفان والنعوش، فَحُمِلَت الأموات على الألواح وعلى الأقفاص وعلى الأيدي. وعجز الناس عن دفن أمواتهم، فصاروا يبيتون بها في المقابر والحفّارون طول ليلتهم يحفرون. وعملوا حفائر كبيرة بلغ في الحفرة منها عدة أموات. وأكلت الكلاب كثيرًا من أطراف الأموات”.
وكذلك أرخ لهذا الحدث العظيم تلميذ المقريزي “ابن تغري بردي”، في كتابه “النّجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة”، ومن وصفه لما حدث من النكبة بالوباء في البشر والحيوانات قوله:
“وُجد بنيل مصر والبرك، كثيرٌ من السّمك والتّماسيح قد طفت على وجه الماء ميتة،
وقوله:
ومن مات من عندنا من المماليك والعبيد والجواري والخدم فلا يدخل تحت حصر، كل ذلك والطّاعون في زيادةٍ ونموٍّ حتى أيقن كل أحد أنه هالكٌ لا محالة”
وقد كان يموت في المدينة الواحدة بالآلاف يومياً ، وسجل التاريخ أنه كان الإمام يصلي على مئات الموتي في الصلاة الواحدة ،
ومع ذلك لم يتوقف المسلمون عن أداء الصلاة ولم يتباعدوا في صفوفهم ولم يغلقوا مساجدهم بل كانت الأوبئة تعيد الناس إلى الصلاة وإلى المساجد للتضرع لله لرفع البلاء ، حتى صنف فيها كبار العلماء الكتب بالمديح لفضلها في عودة المسلمين لدينهم ولربهم.
ومن هذه الكتب كتاب الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وقد سمى كتابه “بذل الماعون في فضل الطاعون” ، فتراه يمدح الطاعون لأثره على عودة الناس لربها ودينها ،
فهل رأينا مثل هذا الكم من الموت المنتشر حولنا في الطرقات و البيوت والمجاري المائية في زمن الكوفيد أو حتى ربعه أو عشره رغم الزيادة السكانية الكبيرة في زماننا؟
ولكن للأسف صرنا نأخذ أحكام ديننا من منظمة الصحة العالمية التابعة للأمم المتحدة الماسونية ،
وأصبحنا نغير من صفات شعائرنا التعبدية مثل صلاة الجماعة والجمعة والطواف والعمرة تبعاً لأوامرها وكأنها هي الوصية على الإسلام.
ونسينا أو تناسينا وهجرنا أمر نبينا صلى الله عليه وسلم بقوله:( أَقيموا الصفوفَ ، و حاذُوا بين المناكبِ ، و سُدُّوا الخَلَلَ ، و لِينوا بأيدي إخوانِكم ، ولاتذَروا فُرُجاتٍ للشيطانِ ، ومن وصل صفًّا وصله اللهُ ، ومن قطع صفًّا قطعَه اللهُ).
فها هو صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن هذه المسافات بين المصلين في الصفوف إنما هي فرجات للشيطان وسماها خللاً وأمرنا بسده ثم دعا على من قطع الصف (من قطع صفًّا قطعَه اللهُ) أي بتَرَه وأبْعَدَه عن رحمتِه.
فأصبح عموم المسلمين الآن إلا من رحم ربي قاطعين للصفوف اتباعاً لأمر منظمة الصحة العالمية وعصياناً وهجراً لأمر رسولهم وهاديهم الذي أخبر عنه ربنا في القرآن ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) سورة آل عمران 31. [وبهذه الآية يوزن جميع الخلق، فعلى حسب حظهم من اتباع الرسول يكون إيمانهم وحبهم لله] تفسير السعدي
والعجب كل العجب أنك ترى هؤلاء الذين يتباعدون في صلواتهم ويقطعون صفوفهم … العجيب أنك تراهم هم هم متلاصقين متجاورين بمجرد انتهائهم من الصلاة …. وفي المتاجر والأسواق والمطاعم ووسائل المواصلات والنوادي والملاهي وكل مناحي الحياة فيما عدا الصلاة. ولاحول ولا قوة إلا بالله.
أليست هذه من الفتن؟
وقد حكى لنا التاريخ أن أمتنا الإسلامية لم تفعل هذا الفعل ولم تغير هيئة صفوف الصلاة في عز الطاعون … ولكن كان ذلك عندما كانت الأمة لا تسمع ولا تطيع لمنظمة الصحة العالمية بل كانت تتبع أمر الله ورسوله ويقودها في ذلك علماء ربانيون همهم الآخرة وليس الدنيا ومتاعها وزينتها ….
ولكن كيف ننجو من الفتن
اولاً: باتباع هدى الله
وهذا هو أول ما أمر الله به آدم عندما أُهبط إلى الأرض (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) سورة البقرة 38.
وهذا الأمر يتأكد أكثر وأكثر وقت الفتن إذ أن النجاة منها لا تكون إلا بالالتصاق بطاعة الله حتى نكون من الذين يتولاهم الله (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ ۖ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) سورة الأعراف 196.
ولكن لكي نهتدي بنور القرآن لابد أن نحرر آياته من قيود الزمان والمكان فنتعامل معها على أنها موجهة إلينا نحن، تصف حياتنا وتتحدث عن واقعنا وتهتم بمشكلاتنا وليست آيات تتحدث عن زمان مضى وانتهى.
وأن نقرأ القرآن بقلوبنا وليس بألسنتنا فقط فإذا وجدنا أمراً من الله لنا أطعناه مهما كلفنا ومهما عارضه هوانا، واذا وجدنا نهياً من الله انتهينا وتوقفنا عند حدود الله.
فكم مررنا على آيات تأمرنا بأمر نحن مخالفون له ولم نلتفت ولم نغير ما نحن عليه من إدمان الذنوب والمعاصي وكأننا قد أمنا مكر الله وظننا أننا ناجون من عذابه وعقابه.
وثانياُ: بالاهتداء بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفتن
فقد أخبرنا عن أنواعها وأوقاتها وعلاماتها وعن طرق النجاة منها.
فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ مَقَامًا، ما تَرَكَ شيئًا يَكونُ في مَقَامِهِ ذلكَ إلى قِيَامِ السَّاعَةِ، إلَّا حَدَّثَ به، حَفِظَهُ مَن حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَن نَسِيَهُ، قدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلَاءِ، وإنَّه لَيَكونُ منه الشَّيْءُ قدْ نَسِيتُهُ فأرَاهُ فأذْكُرُهُ، كما يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذَا غَابَ عنْه، ثُمَّ إذَا رَآهُ عَرَفَهُ) صحيح مسلم
و قال أبو زيد الأنصاري: (صَلَّى بنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ الفَجْرَ، وَصَعِدَ المِنْبَرَ فَخَطَبَنَا حتَّى حَضَرَتِ الظُّهْرُ، فَنَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حتَّى حَضَرَتِ العَصْرُ، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ المِنْبَرَ، فَخَطَبَنَا حتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فأخْبَرَنَا بما كانَ وَبِما هو كَائِنٌ فأعْلَمُنَا أَحْفَظُنَا) صحيح مسلم
وقال حذيفة رضي الله عنه: والله ما أدري أنَسِيَ أصحابي أو تناسَوا، والله ما ترك رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من قائدِ فِتنةٍ إلى أن تنقضِيَ الدنيا يَبلُغُ مَن معه ثلاثمئة فصاعدًا، إلَّا قد سماه لنا باسمِه واسمِ أبيه واسمِ قبيلته. رواه أبو داوود في سننه وابن حجر في تخريج مشكاة المصابيح
ثم قد أخبرنا رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن(خيرُ الناس في الفتن رجلٌ آخذٌ بعِنان فرسِه خلف أعداء الله يخيفهم ويخيفونه، أو رجل معتزلٌ في بادية يؤدي حق الله الذي عليه) صحيح الجامع
وكذلك أخبرنا صلى الله عليه وسلم أنه ( يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بها شَعَفَ الجِبالِ ومَواقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَن) رواه البخاري
إذن فغاية المسلم أن يفر بدينه من الفتن.
وأحاديث رسولنا هي علامات الطريق الهادية التي نسترشد بها إذا حزب الأمر .
و وفقاً لهذه النصيحة فالفرار بالدين إلى الصحارى والجبال هو الحل وقت الفتن. وهذا ما فعله أصحاب الكهف الذين لجئوا إلى كهف في جبل فراراً بدينهم.
ونحن أو أولادنا أو أحفادنا قد نضطر لمثل هذا الفرار والهروب كي نحافظ على ديننا .
الاستعداد للفرار من الفتن
ولكي نكون مؤهلين لأخذ ذلك القرار والفرار بديننا إلى أماكن غريبة علينا وحياة لم نتعودعليها في الجبال والصحارى، لابد أولاً أن نكون في جانب الإيمان الذي لا نفاق فيه. قال صلى الله عليه وسلم: (ثم فتنةُ الدُّهَيماءِ ، لا تدَع أحدًا من هذه الأمةِ إلا لطمَتْه لطمةً ، فإذا قيل : انقضَتْ ، تمادَتْ ، يصبحُ الرجلُ فيها مؤمنًا ، ويُمسي كافرًا ، حتى يصيرَ الناسُ إلى فسطاطَين ، فسطاطُ إيمانٍ لا نفاقَ فيه ، وفُسطاطُ نفاقٍ لا إيمانَ فيه ، فإذا كان ذاكم فانتظِروا الدَّجَّالَ من يومِه أو غدِه) رواه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال صحيح الإسناد وصححه الألباني في صحيح الجامع
فتقوية الإيمان هو حجر الأساس حتى نصل إلى بر الأمان ألا وهو الجنة … سلعة الله الغالية . قال رسول الله ﷺ: ( ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة ) حديث حسن
ويكون ذلك بالثبات على الطاعة واختيارها اذا حدث تعارض بينها وبين المعصية التي تحبها النفس ويدعو إليها الهوى.
فإنه (إذا أذنبَ العبدُ نُكِتت في قلبِهِ نُكتةٌ سوداءُ فإن تابَ ونزعَ واستغفرَ صُقِلَ قلبُهُ وإن زادَ زيد فيها حتى يعلو قلبَهُ فذلِكَ الرَّانُ الَّذي قال اللَّهُ تعالى كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبونَ) حديث صحيح .
و(تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت له نكتة بيضاء ، حتى يصير على قلبين : أبيض مثل الصفا ، فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض ، والآخر أسود مِربادَّا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه) رواه مسلم.
فتأمل مدى بركة إنكار المنكرات وعدم الرضا بها، وبالتالي عدم النظر إليها على أنها أمر واقع وطبيعي،
فهذه قلوب صافية قد أنكرت الفتن في ذلك الزمن، فحفظها الله عنها بعد تلك الساعة إلى يوم القيامة.
وفي المقابل فهناك القلوب التي غلفتها الذنوب وجعلتها سوداء … فكيف لها أن تقاوم الفتن فضلاً عن أن تعرفها وتميزها؟؟
ففعل الطاعات وترك المعاصي هي في نفسها غاية و وسيلة للنجاة من الفتن
فأنت في معركة حقيقية مع الشيطان في كل لحظة من حياتك، فهو العدو الحقيقي وهو خلف كل فتنة ومعه حزبه من الكفار والمنافقين وسائر أعداء، الدين.
أهمية العلم بالواقع والتاريخ مع العلم بأحكام الشرع
ولابد من اكتساب القدرة على تمييز الحق من الباطل.
ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة حكم الله تعالى في الأمور حسب ما جاء في القرآن والسنة مع الوعي بحقيقة العالم والواقع الذي نعيش فيه والتاريخ الذي أنتج هذا الواقع.
فلو علم الإنسان الواقع على حقيقته بكل دقائقه وتفاصيله بدون معرفة حكم الله فيه كان حكمه على الأمور مجانباً للصواب.
ولو علم الإنسان الحكم الشرعي في الأمور والأحوال ودرس الفقة بكامله بدون معرفة حقيقة الواقع الفعلية لم يستطع أيضاً الوصول للحكم الصحيح على الأمور.
معوقات في الطريق
عند التأمل نجد أن نمط حياتنا الآن قائم على الترف الشديد في كل مناحي الحياة، في المأكل والملبس والمسكن وأثاث المنزل والترفيه والتنزة وغيرها،
فتعودت النفوس على وجود كل شيء حولها وأنها كلما اشتهت شيئاً حصلت عليه،
بل صارت الكماليات من ضرورات الحياة،
وسيطرت الغفلة على القلوب مع الإخلاد للترف،
وأصبحت الدنيا هي أكبرهمنا ومبلغ علمنا وتأجل العمل للآخرة،
بل يتم في معظم الأحوال التضحية به من أجل أغراض الدنيا،
ويبيع المرء دينه بعرض من الدنيا قليل كما أخبرنا صلى الله عليه وسلم (بَادِرُوا بالأعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا).
فإذا جد الجد وحان وقت العمل والاختيار الحقيقي بين (فسطاط إيمان لا نفاق فيه وفسطاط نفاق لا إيمان فيه) حالت الغفلة والترف دون الاختيار الصحيح وأُوجِدت المبررات الشيطانية للانحياز إلى فسطاط النفاق.
وإذا جاءت الفتن وكان الحل النبوي لها هو تتبع شعف الجبال ببعض الغنمات لم يستطع المترفون فعل ذلك لأنهم قد أخلدوا إلى متاع الدنيا.
فإذا جاءت فتنة الدجال الذي ( مَنْ اتَّبَعَهُ أطْعَمَهُ وأكْفَرَهُ ومَنْ عصاه حَرَمَهُ ومَنَعَهُ) وصار المؤمنون لايجدون طعاماً و(يكفيهم ما يكفي الملائكة من التسبيح والتكبير والتهليل والتحميد )، فياترى ماذا سيكون حالهم فيها؟ عافانا الله وإياكم من شرها.