بقلم دعاء ليث
“إلا من كان يعرفها من قبل”
قالها حذيفة وهو يعلم تأثير المعرفة على تغيير مجرى الأحداث
يعرف أن المعرفة للفتن مهما صعبت وشقت فنور ونجاة بإذن الله
ولكنها تكون نجاة فقط مع القلب الذي يتلقى ذلك بإيمان وإحسان
حيث أن هناك إشكال كبير حادث في تلقي تلك المعرفة من الناس
فأنواع التلقي لها هي في الأغلب :
استهزاء “كيف هذا ؟ من أنت لتتحدث عن هذا ؟”
إنكار “لا لن يحدث الآن !.. لا يمكن أن اشهد هذا !”
جزع ” توقفت حياتي بهذا !.. لن أنجو من هذا !”
كل هذه تلقيات خاطئة وتؤدي حتما لنتائج خاطئة في القلب والعقل
وبالتالي سيشعر وقتها المرء بالطبع أنه لا فائدة من تلك المعرفة
لأنها سببت له تلك المشاعر والسلوك والأفكار التي لا يريدها أحد بأي حال
وبالتالي قد يسقط القلب في (الإعراض)
فتتحقق تجددا آية كل الأزمان
“اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون”
هذه التلقيات أصلا كلها مغالطات ردها الدين
فالمستهزئ الذي يقول “كيف هذا ؟”
يكاد يكون أصما عاميا
ويخشى عليه من قساوة القلب
لأنه يستهزيء بنذر الله وآياته
“واتخذوا آياتي وما أنذروا به هزوا”
أومستهزيء من نوع آخر
قد يسمي تلك الآيات والنذر فقط بأسماء العلم وظواهر الطبيعة
وكل اهتماماته ومالآته منطلقة من العلم وأسماؤه وتفاصيله وأرقامه
وهذا قد وقع في مصيبة عقدية كبرى
فهو اتخذ العلم مرجعا ودينا ووحيا
وظن أن كل كلمة في العلم البشري هي قطعا ويقينا
وطبيعي أن يستهزيء بمن يرى بأن تواترها وتعاقبها هي إنذارات عظمى
حقا إن هذا النوع من المستهزئين هم الأقسى قلوبا والأبعد دروبا
ولا نملك لقلوب هؤلاء شيئا
وبعض المستهزئين حتى من المسلمين
يقعوا في مغالطة من أنت لتتحدث عن هذا ؟
وهذه ردها الدين أيضا…
بأن كل مسلم هو داعية ومبلغ عن الله ورسوله
بما يعرفه ووقر في قلبه ولو بشطر آية
نتذكر دوما الرجل المجهول الذي يجيء من أقصى المدينة يسعى
ظهر في عدة مرات في قصص القرآن وفي أزمنة مختلفة
والعجيب أنه لا يأت بجديد أو يتكلم في غريب
كل ما يقوله هو ” يا قوم اتبعوا المرسلين”
فكما يقول شيخنا حازم ابو إسماعيل هو ابتعث نفسه لهذا العمل
ويرى أنه واجب عليه دون أي طلب من أحد
ويجب على كل مسلم في هذا الزمان أن يكون مثل هذا الرجل
كل بسعته وطاقته وكل بمكانه ومجاله وما يسره الله له
والثاني..
المنكر رفضا و عزوفا
(لا يمكن أن أشهد هذا ! )
فهذا يخشى عليه من كثير رجاءه وعدم فهمه لسنن الله في كونه
وبعدم التفاته لجناح الخوف في إيمانه ليوازن جناح الرجاء في قلبه
وظنه أن صلاحه هو كاف لبقاء الدنيا لأن سائر الدنيا تشبهه في عينه
“أنهلك وفينا الصالحون ؟ نعم إذا كثر الخبث”
والله لربما سينكر المنكرون أنه كثر الخبث من الأصل !
ليس بغريب عليهم ولا على تلقيهم ذو الهروب الدائم
وأن الأحوال هي الأحوال
واحنا زي الفل وكله هيتصلح (بدون عمل) وهتبقى الدنيا عال العال
مثلما كثرة الخوف مهلكة
فكثرة الرجاء حقا خطيرة
فقد تؤدي إلى خلل في الإيمان
بالتمسك بصفات الرحمة واللطف والرأفة فقط في الله
وتجاهل صفات العزة والجبروت والعدل والانتقام
نسيان صفات الجلال قد تؤدي إلى ترك العمل
أو حتى جزء من العمل اعتمادا على تلك الرحمة….
وذلك لربما يصير القلب من الرجاء للإرجاء أعاذنا الله
وفي معاملة الله في المحيا الخوف أولى وأرجى من الرجاء
وكذلك على جانب آخر
مجرد إنكار أنه قد يشهد هذا وقد يحدث في زمانه
لهو تعطيل لصفة البغتة ويدل حقا على الغفلة
لأنه ما أدراك أنك قد تشهد هذا أو لا تشهده ..
نعم هناك علامات ودلائل وإشارات للساعة
ولكن في لحظات وبأمر الله كن فيكون
قد يحدث مالم تكن تحسب له حسابا وينفرط العقد انفراطا
ويحدث في أيام وشهور ماكنت تظن أنه لن يحدث إلا في أعوام وعقود
فكيف تجزم بأنه لن يحدث الآن أو بعد أيام أو أي وقت ؟
كيف تعرف ؟ وتقول أنك لن تشهد… فتعرض ؟
كان الصحابة ينتظرون الساعة من يومهم
ومع ذلك لم نر في مثل إيمانهم وثباتهم
كل هذا لأنك تمسك بدنياك لا تريد أن تفلتها
وترى فيها أقصى أملك
ولا تريد أن يتغير فيها شيئا
حتى ولو كان الظلم يتطاير حولك
أنت تغلق عينيك وتسد اذنيك
وتنكر ما تسمع وتبصر به حتما
وتزين هذا بحديثك عن رحمة الله بعباده
وتنسى غضبه على من انتهك حدوده
هذه خدعة كبرى نفسك عليك تنصبها
أزح يديك عن السمع والبصر حتى لا تندم ندما
يَقُوْلُ اللهُ تَعَالَىْ: {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَئُوسًا} (الإسراء:83)
وأما عن الجزعين (لن أنجو من هذا !)
فهم الأرق قلبا والأقرب حالا
ولكن لا يعرفون لخوفهم سبيلا أو مآلا
وهم الذين يعلمون جلال الله وعظمته
لكن هم العكس من سابقيهم
قد نسوا قدر وسعة رحمته
وهم من نكلمهم ونطمئنهم
عن الله الرحمن الرحيم
الكريم كرما العظيم عظما
العليم بكل شيء علما الحليم على عباده حلما
الله الودود الله الرؤوف.. الخبير.. اللطيف
كيف نسوا أن هذه اسماؤه
هل ظنوا وقت البلايا أنه سيسقطهم من رحمته مثلا
نعم البلاء يعم.. لكن الحسنة تخص
و لكل واحد منا رحماته الخاصة التي تتنزل له تنزيلا
كيف والله يعلم في قلبك الحب له والإيمان به
أن يخزيك وقت اللجوء ويردك وقت السوء
كيف لا يجيب الأكف المتضرعة له المستجدية به
بأن اعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا ؟
كيف اذا لجأتم إلى كهفه
فلن يهب لكم من لدنه رحمة ويهيئ لكم من أمركم رشدا ؟
وكيف اذا اعتزلتم كل ماهو من دون الله
فلن ينشر لكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ؟
كيف عندما تبلغ القلوب الحناجر تظنوا بالله الظنون ؟
كيف تظنوا أن الله يحب العذاب حاشاه لعباده المخلصين ؟
وكيف وحتى وإن كتبت للمسلم شهادة تحسبون أنه مغبون ؟
وكيف يحسب أنه حتى وقت الفزع لن يؤمنه الرحمن الرحيم ؟
أو لن ينزل عليه سكينة وطمأنينة بحق ثقة بالله في قلب سليم ؟
وكيف يا قوم حسبتم أن تقولوا آمنا وأنتم لا تفتنون ؟
وكيف ننسى أن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا…
إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون ؟
كيف ننسى أن الله قال عن الذين آمنوا وعملوا الصالحات
أنه لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟
تأملوا الكلمة وقلبوها على كل الجهات
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون
أم لوعد الله بالأمن حتى في البلاء والموت لا تصدقون ؟؟
يا مسلمين الإيمان سر الثبات واليقين
حتى في أشد وأحلك السنين
و(( العلم )) بأمر تلك السنين حتمي للنجاة..
في جانب الدنيا وجانب الدين
و(( العمل )) لأجل تلك السنين حتمي للنجاة..
في جانب الدنيا وجانب الدين
والفسيلة التي في اليد تزرع
ولو كانت الساعة تقرع
وسنتحدث قادما عن تلك اليد وتلك الفسيلة..
يتبع….