محاضرة شاملة عن مونديال قطر وكيف يستخدم لدمج الشعوب المسلمة في النظام العالمي وقيمه وأخلاقه ، وكيف يتم إلهاء الشعوب بانتصارات زائفة عما يحدث في الواقع وعن المسار الذي يدفعونهم فيه وما الذي يتوجب علينا فعله كأفراد وكأمة.
تفريغ المحاضرة
المقدمة
في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون والذي سنسميه “محاضر الحكماء”
وفي البروتوكول الثالث عشر منه : “لكي نبعد الجماهير عن أن تكتشف أي خط عمل لنا ، سنلهيها بأنواع شتى من الملاهي والألعاب والمسليات ووسائل ملء الفراغ والمجامع العامة”
ويقول الدكتور بهاء الأمير في كتابه “الوحي ونقيضه”: الملاهي والألعاب والمسابقات والمسلسلات والأفلام ، والترفيه عامة في العالم الذي صنعته “المحاضر” ليست مجرد وسائل للترويح ولا هي وسائل للتعارف والترابط بين البشر ، ولكنها ركن ركين في معمار عالم البروتوكولات،
وظيفتها ملء الفراغ الذي أحدثته إزاحة الإله وهدي الوحي من الأذهان ، لتكون البروتوكولات هي مصدر القيم ونموذج الأخلاق ومنبع الأفكار ، وتكون وسائل الترفيه هي أجدى الوسائل في بث ونشر تلك القيم والأخلاق والعقائد المزيفة وترسيخها في الأذهان والنفوس وتكوين المجتمعات بها ، كبديل مزور عن الوحي والذي هو المصدر الحقيقي للأخلاق والقيم والأفكار.
اللهو والمسليات ووسائل ملء الفراغ في عالم “البروتوكولات” هي إحدى دعائمه لإغراق البشر في متابعة البطولات والمسابقات وتفريغ حماسهم وعواطفهم فيها ، ولاستغراق طاقاتهم العقلية والنفسية في هذا العالم المزيف لإلهائهم عن الانتباه إلى تزييف العالم الحقيقي أو الوعي بالمسار الذي يتم تسييرهم فيه.
وأفضل مثال واقعي على هذا هو أنه في ذات الوقت الذي يحتفل المغاربة بانتصار زائف في العالم الوهمي يعزف النشيد الوطني الإسرائيلي على الأرض المغربية معلناً انتصاراً فعلياً في العالم الحقيقي
يتم تصوير اختيار قطر لكأس العالم وتوليها مهمة تنظيمه على أرضها على أنه إنجاز ضخم يحل محل أو يتعدى واجبات الأمة من تحرير المقدسات والإنسان ،
بينما هو في حقيقته وسيلة أخرى لتوطين القيم العالمية البني إسرائيلية في أرض الإسلام جزيرة العرب مهبط الوحي ، واستكمال دمج شعوب العالم العربي والإسلامي في العقيدة والقيم والسلوك العالمي الذي يراد توحيد العالم تحت رايته
ما يحدث حقيقة هو إلحاق المجتمعات العربية المسلمة رسمياً بالعالمية وقيم العالمية وهزيمة القيم الإسلامية أمامها وعلى أرضها.
نعم ، الدول العربية الحالية هي صناعة المستعمر ونتيجة تقسيمه لآخر دولة جامعة للمسلمين، الدولة العثمانية ، ونعم أرض الإسلام محتلة منذ ذلك الحين وأنظمتها معينة ومحمية من قبل النظام العالمي وتعمل لحسابه.
لكن الشعوب المسلمة مازالت تحمل الإسلام بصفة عامة وتشعر بانتمائها إليه وأنه هويتها ، وتتمسك المجتمعات المسلمة في تلك البلاد المحتلة بما تقدر عليه من شعائر الإسلام وقيمه وسلوكه ،
مع الإقرار ايضاً بأن كثيراً من الأفراد والأسر والمجتمعات قد عانت ردة عن تلك القيم والشعائر تحت ضغط الغزو الثقافي الغربي ووسائل إعلامه في بلادنا وتحت وطأة الضغط الذي تمثله حكومات النظام العالمي في أرض الإسلام ، ومحاربتها لهذا الدين وقيمه وأخلاقه بل وشعائره وتنحيتها السافرة لشرائعه وإبعادها عن حكم الحياة وفرضها لقيم الغرب وشرائعه وأخلاقه على شعوبه.
لكن مازالت هناك بقية باقية من المجتمعات والأفراد والأسر تقاوم هذا التغريب والتخريب وتحاول التمسك بهويتها الإسلامية رغم كل الضغوطات.
وما يحدث في مونديال قطر هو عملية غزو ناعمة لفرض تلك القيم العالمية وإعلائها وترويجها وجعل المجتمعات الإسلامية تقبلها طواعية وهي مبتهجة ومسرورة بانتصارات وهمية وإنجازات زائفة تم تضخيمها في وعي الناس لتغيير وتشويش فطرة المسلم ووعيه على المستوى الفردي ولتضليل الوعي الجمعي لتلك المجتمعات.
انظر إلى عملية التضخيم هذه فتلك الدولة أعطت مواطنيها إجازة بسبب فوز في عالم الوهم ، وخرجت المظاهرات في مدن المغرب بعد انتصار فريقهم الزائف ولم يخرجوا لاستنكار السماح للصهاينة اليهود بغناء نشيدهم الوطني على المسارح المغربية ، وفي سوريا وفلسطين تم توزيع الحلوى في الشوارع ابتهاجاً بالنصر الزائف.
تنظيم كأس العالم في الجزيرة العربية هو موجة أخرى من الغزو الناعم يحاولون بها طمس ما تبقى من قيم وأخلاقيات إسلامية وتبديل للفطر فيقبل المسلمون ما لم يقبلوا به بالغزو الخشن والعنف. ويمكننا أن نأخذ حفل الافتتاح كمثال للدلالة على ذلك
حفل الافتتاح ومغزاه
كان حفل الافتتاح تعبيراً عن العلاقة بين الغرب أو المجتمع العالمي “مكتمل النمو” ممثلاً في الممثل فريمان والعالم العربي المسلم “المعاق والقزم” ممثلاً في
ولا أعرف من صمم هذه اللوحة ومن اختار واحداً من المعاقين “مع احترامنا الشديد لشخصه الكريم” ليكون ممثلاُ للعالم الإسلامي أمام ذلك الفطحل ، رغم أن المسابقة لا تخص المعاقين .
ثم ما حدث بعد ذلك يدلل على المقصود ، فقد تلقى القزم المعاق نفخة الروح فيها من الرب السيد وهي اللوحة التي جسمها مايكل أنجلو في كنيسة ليعبر بها عن تلقي آدم لنفخة الروح فيه من رب العالمين وصوروا الرب مسجداً في صورة رجل (تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً) ، ثم ها هم يكرروها في مونديال قطر إعلانا عن ولادة (أو خلق) عربي وإسلامي جديد من هذا المونديال
وكانت ملابس الراقصين والراقصات موحدة تعبيراً عن عدم تميز الرجال عن النساء ودمج الجندر ، بل إنهم في الآية التي اختاروها من القرآن لم يترجموا “إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” تلك الجملة تدمر أخلاقيات الغرب اليهودي الجديدة التي لا يميز فيها البشر إلى ذكر وأنثى وبالتالي فلم يترجمها القائمون على مونديال قطر حتى لا يغضبوا الغرب اليهودي وربما أتوا بها ليضللوا الشرق المسلم حتى يقال أول مونديال يقرأ فيه القرآن. وهذا الخلط والتشويش كان سمة هذا المونديال. فكان القرآن واللوحة الافتتاحية الكفرية والراقصون والراقصات الملتصقين ببعضهم تماماً والزي الخليجي ومنع رفع شعار المثليين ثم توحيد الزي بين الراقصين والراقصات من الجنسين بزي واحد وحضور دعاة مشهورين للدعوة إلى الله وتمرير النموذج الغربي وكل ذلك الخلط حتى لا يصح في الأذهان شيء وتمر الفعالية ليولد من خلالها عالم عربي مسلم بمعايير الغرب والنظام العالمي. وهذا الخلط العجيب هو سمة النظام القطري ودوره في المنطقة.
الدور القطري
“تستضيف” قطر على أرضها القاعدة الأمريكية العسكرية الرئيسية في المنطقة العربية وهي قاعدة العيديد العسكرية وكذلك “تستضيف” أحد أهم المراكز الفكرية الغربية المهمة في صناعة القرار وهو مركز راند الفكري. وكذلك فهناك على أرض قطر فروع لجامعات غربية عديدة مثل جامعة كارنيجي ميلون وجورج تاون وباريس وكالجاري وغيرهم كثير ، وحتى قناة الجزيرة التي تنتهج سياسة البي بي سي وطريقتها تم إقامتها بفريق قناة البي بي سي العربية السابق. فقطر مقر الغزو العسكري والثقافي والفكري في المنطقة.
وإذا قلنا ذلك عن قطر فإن الدول الأخرى حولها ليست بريئة بل بعضها قد سبق قطر بأزمنة في التغريب والتخريب وبعضها مقر للفجور والدعارة ونشر الشذوذ والإلحاد وغيره مما لا يوجد في قطر، لكن قطر تقدم الثقافة الغربية ونمط الحياة الغربي مغلفاً بثوب إسلامي أو حضاري أو تحاول أن تجد نسخة من الثقافة الغربية ونمط الحياة الغربي تناسب المجتمعات المحافظة في العالم الإسلامي بطريقة ناعمة وسلسلة وأكثر نفاذاً لقلب تلك المجتمعات.
كرة القدم وكأس العالم
بالإضافة إلى كونها وسيلة إلهاء وإشغال ومتعة كاذبة ، تستخدم الرياضة بصفة عامة وكرة القدم بصفة خاصة كأسلوب غزو فكري وثقافي وقيمي للمجتمعات ووسيلة ناجعة للعولمة وترسيخ قيم وسلوكيات العولمة ، وقبول كفر وانحرافات ومجون الشعوب غير المسلمة وفرض ذلك على الشعوب المسلمة بطرق ناعمة خبيثة. توحيد الإنسانية في أزياءها وقوانينها وسياستها وأخلاقها وسلوكياتها
وفي كرة القدم تحل الانتصارات في المباريات مكان الانتصارات الحقيقية والمباريات الكروية القومية مكان المعارك الإسلامية ، والأهداف الكروية في مرمي المنافس بالنصر في الغزوات الجهادية ، وتحل خطوط الدفاع والهجوم والأجنحة الكروية بديلاً عن الجيوش والدفاعات الشرعية وكل ما يتعلق بالجهاد والغزوات والمعارك المغروسة في قلوب المسلمين على مدار تاريخهم والتي كانت سبباً لرفعتهم ومجدهم وتحقيقهم لمراد الله ونشر دينه والدفاع عنه بالجهاد الشرعي والغزوات الفعلية والنصر الحقيقي.
كرة القدم تعمل كما تعمل المخدرات من إعطاء المشجع والمشاهد شعور بالمتعة الكاذبة ولذا ترتبط عملية التشجيع بتناول الخمر بكميات كبيرة أوقات التشجيع وقبله وبعده. بل هي أسوأ من المخدرات لأن المشجعين المتعصبين يصابون بالإحباط والمشاعر السيئة عند هزيمة فريقهم ، ولهذا يمارسون العنف وتكسير الممتلكات حين هزيمة فريقهم (وخذ الجمهور الإنكليزي كمثال).
أحكام اللهو في الإسلام
ربما يقول قائل ، لكن الرياضة مباحة في الإسلام ولا بأس من ممارستها ومشاهدتها والاستمتاع بها. وهنا يجب التفريق بين الممارسة التي تفيد الجسم وتقويه وبين المشاهدة والمتابعة وتضييع الأوقات فضلاً عن الممارسات الغير أخلاقية من اختلاط وسفور وتعري وقبول أخلاقيات الأمم الكافرة بالإضافة إلى التعصب القومي للفرق واستبدال المسبقات الرياضية بالجهاد والنصر فيها بالنصر الحقيقي في الغزوات. كما أن هناك فرق بين أن يمارس الإنسان الرياضة بنفسه لتقوية جسمه وبين أن ينشغل بمباريات و أنواع مختلفة من الرياضات تشغل وقت فراغه وتسيطر على عقله وتفكيره لدرجة أنه يوالي ويعادي فيها .
وفي الحديث: عن عقبة بن عامر: كلُّ ما يَلهو بِه المرءُ المسلِمُ باطلٌ إلّا رميَه بقوسِهِ وتأديبَهُ فرسَهُ ومُلاعَبتَه امرأتَهُ…
عن جابر بن عبد الله: كلُّ شيءٍ ليس من ذِكْرِ اللهِ فهو لَهْوٌ أو سَهْوٌ إلا أربعَ خِصالٍ: مَشْىُ الرجلِ بينَ الغَرَضَيْنِ – المَرْمى – وتأديبُه فَرَسَهُ ومُلاعَبَتُهُ أهلَه وتعليمُه السِّباحَةَ
وعموماً إذا جاز ضم كرة القدم لهذه الأنواع من اللهو أو كانت النية تقوية الجسم وخلت من المشاحنات والعصبية وغير ذلك ، فإنه يجوز لعبها كوسيلة لذلك ، ولا يسري حكم الجواز هنا على المشاهدة والمتابعة والتشجيع والتعصب ومناصرة القومية وغير ذلك مما ذكرنا.
وإذا جازت الممارسة فإن ذلك لا يسري على امتهانها أي اتخاذها مهنة
التفاهات مكان الرجولة
ما الفائدة أن يتمكن فريق من إدخال الكرة في شباك فريق آخر؟ ماذا يعود على البشرية من نفع؟ وإذا قلنا أنها وسيلة للتريض واكتساب الصحة واللياقة البدنية ، فما فائدتها للمشاهدين والمتابعين ؟ ولماذا يمتهنها اللاعبون؟ وما فائدتها كمهنة في تقدم البشرية؟ ولماذا يتقاضى هؤلاء اللاعبون تلك المبالغ الخيالية مقابل مهنة لا فائدة منها؟ يصل راتب بعض اللاعبين الأسبوعي إلى مئات الآلاف من الدولارات أو الجنيهات الإسترلينية أسبوعياً ، وهو مبلغ لا يتقاضاه نصف فلاحي دولة صغيرة في سنة كاملة ، هل هذا منطقي؟
الفائدة في الحقيقة تعود على تلك النخب التي تستغفل البشرية وتلهيها وتشغلها بالتفاهات والملهيات ليسهل السيطرة عليهم وسرقتهم وتغيير فطرهم ونزع رجولتهم واستبدالها برجولة وهمية.
الإفساد للسيطرة
شرحنا أن كل أحداث العالم الكبرى في العصر الحاضر تقع ضمن مسار أو أكثر من مسارات أربعة هدفها النهائي إقامة مملكة عالمية موحدة تحت قيادة بني إسرائيل وإمرة ملك من نسل داوود يحكم العالم من الهيكل في القدس. وهذه المسارات هي:
1- التمكين لليهود
2- إضعاف الأغيار (غير اليهود) عبر تكفيرهم بالإله والوحي وإفسادهم وسرقتهم
3- تكوين تلك المملكة العالمية الموحدة
4- إقامة وتمكين دولة اليهود وبها الهيكل
وكما ترى فإن كأس العالم تخدم هذا الهدف وتقع ضمن أحداث المسار الثاني الخاص بالإفساد والمسار الثالث الخاص بتكوين المملكة العالمية الموحدة في عقائدها وسلوكها وأخلاقياتها وقيمها
ولا يصلح ذلك الاحتجاج بالفوائد التي تأتي مع مثل ذلك التجمع فهي عوارض لا تصحح الأصل.
لسنا مثل بقية الأمم
أمة الرسالة الخاتمة وتحميل الله لنا هذه الأمانة
نحن الأمة التي اختصها الله بآخر رسائله للبشرية وبعث فيها آخر رسله للناس كافة ، ولنا مهمة هي نشر التوحيد وإقامة دولة الوحي التي يهتدي بها الناس هذه هي مهمة المسلمين التي كلفهم الله بها. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتواتر: أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حتّى يَشْهَدُوا أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، وأنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللَّهِ، ويُقِيمُوا الصَّلاةَ، ويُؤْتُوا الزَّكاةَ، فَإِذا فَعَلُوا ذلكَ عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهُمْ وأَمْوالَهُمْ إلّا بحَقِّ الإسْلامِ، وحِسابُهُمْ على اللَّهِ.
اختيار الله لبني إسرائيل لنشر التوحيد وإقامة نموذج لدولة الوحي الرباني
وكان الله قد كلف بني إسرائيل بهذه المهمة قبلنا ، أن تكون الأمة التي تنشر التوحيد وتقيم دولة الوحي التي يهتدي بها الناس قال تعالى “ولقد اخترناهم على علم على العالمين” (الدخان 32) فاختارهم الله بعلمه على بقية البشر ليقوموا بهذا الدور فهم بنو إسرائيل أي يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام فهم بيت النبوة المتوارثة وأقرب الناس للوحي والهدى.
قيام دولة الوحي الرباني في عهد داوود وسليمان ثم الانحراف بعد سليمان
وقد أقاموا تلك الدولة أي “دولة الوحي” في عهد داوود ثم سليمان ونشروا التوحيد (أنظر مثلاً قصة سليمان مع الهدهد وبلقيس ودخولها وقومها للإسلام بعد أن كانت تعبد الشمس إذ “قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (النمل 44)
وكانت بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء
فعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ: كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ
لكنهم في النهاية خالفوهم وقتلوهم يقول تعالى في سورة البقرة: أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ (87) ،
لماذا؟ لأنهم ضنوا بالهدى والوحي والنور على البشرية واحتفظوا به لأنفسهم فحرفوا التوراة وبثوا تحريفها ليضلوا الناس به بدلاً من هدايتهم
نهاية العذر مع بني إسرائيل برسالة عيسى عليه السلام
ثم أرسل الله أخر رسله من بني إسرائيل إليهم وهوعيسى بن مريم عليه السلام بالمعجزات الخارقات الباهرات ، فوُلد من غير أب لأشرف وأطهر أم ، وكلم الناس في المهد وكان يحيي الموتى بإذن الله ويصنع لهم من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيصير طيراً بإذن الله ..
فماذا فعلوا معه؟ عادوه وآذوه وتآمروا على قتله فرفعه الله إليه .. وكان هذا آخر أنبياء بني إسرائيل إليهم.
استبدال أمة الإسلام ببني إسرائيل
وبهذا أعذر الله لبني إسرائيل ثم استبدلهم بأمة الإسلام فبعث فينا آخر أنبيائه صلى الله عليه وسلم لنقوم نحن بالمهمة التي فشل فيها بنو إسرائيل وهي نشر التوحيد وإقامة دولة الوحي وهداية البشرية بها
فمهمة هذه الأمة هي نفس المهمة التي كلف الله بها بني إسرائيل وهي نشر التوحيد وإقامة دولة الوحي الرباني .. وهذا تكليف لنا تم إلغاؤه من قواميسنا الدينية والدنيوية
وقد فهم الصحابة هذه المهمة تمام الفهم وعبروا عنها عملياً وقولياً
اسمع لقول ربعي بن عامر لقائد الفرس عندما سأله ما جاء بكم؟ قال له :الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبدا حتى نفضي إلى موعود الله ..
وهذا القول وإن اشتهر عن ربعي بن العامر فقد كرره كل الصحابة الذين أرسلهم سعد بن أبي وقاص لكسرى قائد الفرس فنقلت عن المغيرة بن شعبة وحذيفة بن محصن
وعلى مثل هذا قامت للعرب قائمة وأصبحوا أمة ذات دين وحضارة وفتحوا نصف الكرة الأرضية ووصل الإسلام لنا
وقبله لم يكن للعرب أي قيمة فكانوا همجاً لا قيمة للعرب قبل الإسلام ولا قيمة لهم بدونه
قال عمر بن الخطاب : إنا كنا أذلَ قومٍ فاعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله أخرجه الحاكم وهو صحيح
سنة الله مختلفة في التعامل معنا
وإذا كنا كذلك فإن لنا سنة مختلفة في تعامل الله معنا تختلف عن باقي الأمم
فالله يتعامل معنا على أننا الأمة التي تحمل الوحي المحفوظ ومهمتها إقامته في نفسها وتبليغه لغيرها ، لذلك فإذا تخلفنا عن هذه المهمة أذلنا الله ، لذلك يقول الله تعالى في كتابه: ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ ۚ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ ۚ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (39)
ونحن في المركز لا يهمنا انتقاد هذا البلد أو غيره بل هدفنا إيقاظ هذه الأمة من جديد وتذكيرها بمهمتها ، وتربية أبنائنا على ذلك لعل الله يجعلهم أو يخرج من أصلابهم جيل وعد الآخرة الذي يزيل الله به هذا الفساد الذي عم البشرية ويريدون دمج المجتمعات المسلمة فيه بكافة السبل سواء بالإخضاع العسكري أو الغزو الثقافي التوراتي أو الفعاليات ليصلوا إلى هدفهم وهو تكفير كل البشرية بربها حتى لا يعرف الإله أحداً غيرهم ويبرهنوا للإله بأنهم هم وسيلته الوحيدة للبشرية وأنه سبحانه أخطأ إذ اختار أحداً عليهم ، وهي نفس دعوى إبليس التي يريد إقامة الحجة عليها بأن الله سبحانه أخطأ إذ كرم آدم عليه.
فما يحدث هو استبدال لواجبات الأمة المسلمة في استعادة مقدساتها وتحرير أقصاها والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد والمفسدين على المستوى العالمي ، لتذوب أمة الإسلام في عقائد وأخلاقيات وسلوكيات العالمية وتنسى مهمتها. هذا حقيقة ما يحدث.
وقد استحقت هذه الأمة خيريتها بشروط: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : من رأي منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان ، أو وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان. فإذا لم نستطع تغيير المنكر باليد ولا باللسان فلا بد لنا من تغييره بالقلب ورفضه وليس لأحد سلطان على قلبك فلا عذر لك في إنكاره قلبياً إن لم تقدر على ذلك باليد واللسان.
أما أن نذوب فيه ونحاول أن نقنع الكفار بأننا متحضرون نقبل فجورهم وكفرهم ومستعدون للذوبان معهم تحت سقف الخيمة في البيت الواحد ، وأن هناك طرقاً مختلفة للوصول للإله غير الإسلام ، فهذه ردة عن المهمة التي كلفنا الله بها والتي شرحناها تواً ، إن لم يكن ردة عن الإسلام نفسه.
الحل:
الحل بسيط هو إصلاح كل منا لنفسه بتعلم مراد الله منا وأوامره لنا وفهم مهمتنا الفردية والجماعية والالتزام بأوامر الله لنا ، وإصلاح أبنائنا وأسرنا ومن لنا سلطان عليهم ، ثم توسيع الدائرة لتشمل الأصدقاء والأقارب والجيران والمعارف وزملاء العمل ، كل حسب استطاعته.
وعلينا التعاون فيما بيننا لنشر الخير والتواصي به والصبر عليه.
فإذا انتشر الصلاح كنا أقرب لنصر الله “إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم”
وأنا أعرف الزمن الذي نعيش فيه ومدى الضغط على الناس ، لكن إذا علم الله من أمة الإسلام خيراً رفع عنها هذا الذل الذي فيه ..
أما أن نعيش مثل باقي الأمم ونشاركهم أخلاقهم وسلوكياتهم ومجامعهم واحتفالاتهم ونحاول الفوز برضاهم والبرهنة لهم أننا أمة كيوت ونستجلب المغنيين والمغنيات والراقصين والراقصات ونستبدل الفوز في المباريات بالفوز الحقيقي بتحقيق مراد الله منا على المستوى الفردي والجماعي ، فهذا هو الخذلان، نعوذ بالله منه.
أدعوكم ونفسي للوقوف وقفة نتأمل فيها حالنا ونعيد فيها عهدنا مع الله على الصلاح والإصلاح والقيام بما كلفنا الله به من إزالة إفساد المفسدين
فإذا جاء وعد الآخرة ليسوؤوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا.